تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذا كان العامل في التبيين فعلًا جاز تقديمه، هذا عظيمٌ، وذكر المثال يعني لم يذكر شاهدًا، وسوف يأتي الشاهد، وبين كيف يكون الترتيب مع التقديم، فقال: وذلك مثل تصببتُ عرقًا، تقول: عرقًا تصببتُ، ثم ذكر رأي شيخه، فقال: وهذا لا يجيزه سيبويه لماذا؟ لأنه يراه كقولك: عشرون درهمًا، معنى هذا أن المبرد -رحمة الله عليه- يذكر علة منع سيبويه تقديم التمييز على عامله الفعل، ما هذه العلة؟

العلة أن قولنا: تصببتُ عرقًا مثل قولنا: عندي عشرون درهمًا، لا يجوز لنا أن نقدم كلمة درهمًا، وهي تمييزٌ، فنقول: عندي درهمًا عشرون، هذا لا يجوز، وكما لا يجوز لنا أن نقول: درهمًا عندي عشرون، ولا عندي درهمًا عشرون، وإنما الجائز الممكن أن نقول: عندي عشرون درهمًا فقط لا غير، كذلك نقول: تصببت عرقًا لا غير، يعني لا نقول عرقًا تصببتُ، لماذا؟ لأن لا نقول: درهمًا عشرون، وكما لا يجوز أن نقول: درهمًا عشرون لا نقول: عرقًا تصببتُ، هذا ما نقله المبرد عن شيخه سيبويه بالنسبة إلى مسألة جواز تقديم التمييز على عامله، يقول: لأنه -أي سيبويه- يراه -أي: أن سيبويه يرى- تصببت عرقًا كقولك عشرون درهمًا، وهذا أفرههم عبدًا يعني أطولهم وأعلاهم، وليس هذا بمنزلة ذلك، عاد المبرد إلى كلامه، فكان من كلامه أن خطأ سيبويه في الحمل، يعني أن سيبويه حمل قول الناس تصببتُ عرقًا على عندي عشرون درهمًا، فقال سيبويه: لا يجوز عرقًا تصببت، كذلك لأن لا نقول: درهمًا عشرون، قال المبرد: وليس هذا بمنزلة ذلك.

يوضح قوله فيقول: لأن عشرين درهمًا إنما عمل في الدرهم ما لم يؤخذ من الفعل، هو يريد أن يقول: العامل غير العامل يعني عندي عشرون درهمًا لم يعمل في درهمًا فعلٌ كالذي ورد في قولنا: تصببتُ عرقًا، وطاب زيدٌ نفسًا، ماذا من أوجه الخلاف بين قولنا: تصببتُ عرق وبين قولنا: عندي عشرون درهمًا؟

يقول: ألا ترى أنه يقول -أي سيبويه- وغير سيبويه يقول: هذا زيدٌ قائمًا، طبعًا كأن المبرد يُلمح إلى ما جاء في سورة "هود" من قول الله تعالى ربِّنا: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} المنصوب على الحالية شيخًا، والعامل فيه ما في اسم الإشارة من معنى الفعل، لكنه ليس فعلًا {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} انتصب شيخًا على الحالية، وهو كذلك يقول: هذا زيدٌ قائمًا انتصب قائمًا على الحالية، يقول: ولا يجيز -أي: أن سيبويه لا يجيز- قائمًا هذا زيدٌ، لماذا؟ لأن العامل غير فعلٍ، يعني لأن العامل في الحال ليس فعلًا، وإنما هو ما تضمنه اسم الإشارة من معنى الفعل، وهو أشير هكذا، فكما أن العامل لما كان غير فعلٍ امتنع تقديم الحال فما يقول أحد: قائمًا هذا زيدٌ.

لكن إذا انتقلنا إلى تركيبٍ آخر في الحال -يعني في درس الحال- وهو قولنا: جاء زيد راكبًا، هل يجوز أن نقول: راكبًا جاء زيدٌ؟ الجواب: نعم، ما إعراب هذه الجملة جاء زيدٌ راكبًا؟ جاء فعل ماض مبنيٌّ على الفتح، وزيدٌ فاعلٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وراكبًا حالٌ منصوبةٌ وتقول حالٌ منصوبٌ وعلامة نصبه أو نصبها الفتحة الظاهرة، وتستطيع أن تقدم الحال على عاملها فتقول: راكبًا جاء زيدٌ، ومسرعًا وصل القطار، وسعيدًا بدأ الناجح، وهكذا نستطيع أن نقدم الحال على عاملها الذي هو بلا خلاف فعلٌ، ولا يجوز هذا في نحو قولنا: هذا زيدٌ قائمًا، أي لا نقول: قائمًا هذا زيد؛ إذن فرق المبرد بين الحال التي يكون العامل فيها فعلًا كما في قوله: راكبًا جاء زيدٌ وبين الحال التي يكون العامل فيها غير فعلٍ كما في قوله: هذا زيدٌ قائمًا، وقال ما نصه: لأن العامل فعلٌ فلذلك أجزنا تقديم التمييز إذا كان العامل فعلًًا، وهذا رأي أبي عثمان المازني؛ إذن أبا عثمان المازني يوافقه المبرد، ويخالف سيبويه -عليه رحمة الله.

وذكر المبرد شاهدًا الذي وعدناكم بأن نذكره، وقلنا: وسوف يذكر الشاهد بعد، فما هذا الشاهد؟ يقول الشاعر:

أَتَهجُرُ لَيلى لِلفِراقِ حَبيبُها وَما كانَ نَفسًا بِالفِراقِ تَطيبُ

قال الشاعر: أَتَهْجُ/ رُ لَيْلَـ لِلْ/ فِرَاقِي/ حَبِيبُهَا/ مَفَاعِلن/ ومَا كَا/ فَعُولن/ نَ نَفْسََن بِلْ/ مَفَاعِيلن/ فِرَاقِي/ فَعُولن/ تَطِيبُو/ فَعُولن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير