هنا جاء الشاهد من الطويلوعروضه حَبِيبُهَا مَفَاعِلٌ مقبوضةٌ وجوبًا، وجاء الضرب تَطِيبُ فَعُولُ وأصله مَفَاعِي، وجاء محذوفًا؛ إذن الضرب محذوفٌ، والعروض مقبوضة، وبهذا يتم بين أيدينا من شواهد سيبويه، ومن شواهد المبرد استكمال لبحر الطويل، عروضٌ واحدةٌ مقبوضةٌ وجوبًا، والضرب كالعروض أو صحيح أو محذوف كما في هذا الشاهد، يقول: كيف تهجر ليلى للفراق حبيبه وليلى وغير ليلى ما كان نفس بالفراق تطيب، يعني لا تطيب نفس بالفراق، ولا يطيب أحدٌ نفسًا سواءٌ كان ذلك الأحد ليلى أم كان ذلك الأحد قيس، سواءٌ كان ذلك الأحد رجلٌ أم كان ذلك الأحد امرأة، المهم أنه لا توجد نفسٌ تطيب بالفراق، ماذا جرى في التعبير؟ قال:
............................. وَما كانَ نَفسًا بِالفِراقِ تَطيبُ
أي: ما كان بالفراق تطيب ليلى نفسًا، يعنى لا تطيب ليلى بالفراق نفسًا، الحق أي أن هذا الشاهد الذي استشهد به المبرد على أن التمييز يكون مقدمًا، ويجوز تقديمه إذا كان العامل فيه فعلًا كتطيب ذكره غير المبرد هكذا:
أَتَهجُرُ لَيلى لِلفِراقِ حَبيبُها وَما كانَ نَفسي بِالفِراقِ تَطيبُ
هذه رواية ذكرها العلماء، وقالوا: إن هذه هي الرواية عندنا إذا قال: وما كان نفسي فقد انقطع الكلام، بعضهم يقول: هذه رواية وهذه رواية، ولننظر نحن في القياس، يعني هل القياس أن يتقدم التمييز على عامله إذا كان فعلًا كما قال المبرد -عليه رحمة الله؟ الجواب: أن روايتهم التي ذكروها: وما كان نفسي بالفراق تطيب ليس فيه تمييزٌ منصوبٌ حتى نقول: إنه تقدم أو تأخر، الوزن واحد، ولعلك تذكر ما قاله الناس في بيتٍ مشهورٍ في اقتران جواب الشرط بالفاء حين قال الشاعر:
مَن يَفعَلِ الحَسَناتِ اللَهُ يَشكُرُها .........................
قالوا: هذه جملة اسمية جاءت جواب شرط، وهو غير مقترن بالفاء، والشعر باب الضرورة، وحُذِفَتْ الفاء للضرورة الشعرية؛ لأن الشاعر إذا ذكرها انكسر البيت، وإذا انكسر البيت لا يصح؛ لأنه لو قال: مَنْ يَفْعَل الْ -والبيت من البسيط- مَنْ يَفْعَلِ لْـ/ حَسَنا/ تِفَلله/ انتهى البيت انكسر؛ إذن قال الشاعر:
مَن يَفعَلِ الحَسَناتِ اللَهُ يَشكُرُه .........................
على حذف الفاء للضرورة الشعرية، جاء أناسٌ وقالوا: لا، البيت لا يُروى هكذا، وإنما يُروى:
مَن يَفعَلِ الخير فالرّحمَنُ يَشكُرُه وَالشَرُّ بِالشَرِّ عِندَ اللَهِ مِثلانِ
جاء برواية قالوا: هذه هي الرواية، ماذا تريدون أن تثبتوا؟ أرادوا أن يثبتوا أن جواب الشرط إذا كان جملةً اسميةً وجب اقترانه بالفاء، وأصبح البيت الذي هو من البسيط ليس شاهدًا في الموضوع، وإنما صار مثالًا، يعني يُعدُّ شاهدًا؛ لأنه من عصور الاحتجاج، ولأنه ورد فيه الجملة الاسمية جوابَ شرطٍ، وقد اقترنت بالفاء، فلا شاهد هنا بالنسبة إلى من يقول: إن الجملة الاسمية إذا جاءت جواب شرطٍ بدون فاء فذلك للضرورة الشعرية، هم جاءوا بـ:
مَن يَفعَلِ الخير فالرّحمَنُ يَشكُرُه ........................
مَنْ يَفْعَلِ لْ/ خَيْرَ فَرْ/ رَحْمَانُ يش / كُرُهُو/ فَعِلن/ مخبونة وجوبًا كما تعملون، الوزن مستقيم على ماذا؟ على وجود الفاء في الجملة الاسمية؛ إذن فما الشاهد هنا؟ لا شاهد إلا على أن قول الشاعر:
مَن يَفعَلِ الحَسَناتِ اللَهُ يَشكُرُه .........................
من باب أن جواب الشرط جاء جملة اسمية غير مقرونة بالفاء، وهذا محالٌ، لماذا؟ لأن الرواية عند هؤلاء "من يفعل الخير فالرحمن يشكره" هذه روايتنا، كذلك قالوا في بيت المقتضب:
أَتَهجُرُ لَيلى لِلفِراقِ حَبيبُها وَما كانَ نَفسًا بِالفِراقِ تَطيبُ
قالوا: إنما الرواية عندنا: وما كان نفسي بالفراق تطيب قطعة جهيزة قول كل خطئ، فما الداعي إلى ذكر القياس أو غير القياس هنا، وقد أتيتم برواية ليس فيها تمييزٌ أصلًا حتى نقول: إنه يجوز تقديمه على عامله، أو لا يجوز تقديمه على عامله، لقد ذكرتم البيت هكذا:
أَتَهجُرُ لَيلى لِلفِراقِ حَبيبُها وَما كانَ نَفسًا بِالفِراقِ تَطيبُ
¥