يقول -عليه رحمة الله- فأما قولك: زيدٌ الحسن وجهًا والكريم أبًا، فإنه خارج في التقدير من باب الضارب زيدًا؛ لأنك تقول: هو الحسن الوجه يا فتى، وإن كان الخفض أحسن، ماذا يعني المبرد بقوله: وإن كان الخفض أحسن؟ الجواب: يعني المبرد بقوله: وإن كان الخفض أحسن أن الجر بعد الصفة المشبهة بالفعل أو باسم الفاعل أن الصفة المشبهة باسم الفاعل، وهي من الألفاظ الشبيهة بالفعل في العمل الجر بعدها أحسن لماذا؟ لأن الجر سوف يخلصنا من قبح النصب.
ولماذا قال العلماء: إن نصب الوجه بعد الصفة المشبهة قبيح؟ الجواب: أنه قبيح؛ لأن فيه تشبيه القاصر بالمتعدي، والرفع كذلك قبيحٌ -كما قلنا- لأنهلا يوجد فيه ضمير، يعني لم نقل: حسنٌ وجهه، فالجر يخلصنا من رفع القبح، وهذا ما قاله النحاة في الإضافة اللفظية.
وهي إضافة الوصف المشبه للفعل، قالوا: إن لها غرضين، فالإضافة اللفظية من أغراضها أنها تفيد التخفيف، ويتحقق هذا التخفيف بحذف التنوين الذي هو ممّا يُحذف من أجل الإضافة، قالوا: هذا ضارب زيدٍ، قالوا: ضارب اسم فاعل، والأصل فيه قبل أن ينجر إليه زيدٌ: ضاربٌ، أنت تقول: هذا ضاربٌ زيدًًا أعملته فلما أعملته نونته، والتنوين ثقيلٌ، فلما أضفته لا بد أن يُحذف التنوين من أجل الإضافة فحذف التنوين؛ إذن لولا الإضافة ما حُذِفَ التنوين، فحذف التنوين خفة، هذا مراد قول النحاة: الإضافة اللفظية تفيد التخفيف، ثم قالوا: أو رفع القبح، ما معنى أو رفع القبح؟ يقصدون بهذا الصفة المشبهة؛ لأنها -كما قلنا- إذا جاء ما بعده منصوبًا تشبهت بالمتعدي، وهي لا تصاغ إلا من القاصر -أي: من اللازم- وإذا جاء ما بعدها مرفوعًا فلابد أن يشتمل على ضمير، وخلوه من الضمير قبحٌ، فماذا نفعل؟ نأتي بما بعدها مضافًا إليه مجرورًا، فيكون جره أفضل طريقة للتخلص من هذين القبحين -احفظوا هذا يحفظكم الله.
يقول المبرد: فأما قولك: أنت أفره عبدٍ في الناس، فإنما معناه أنت أحد هؤلاء الذين فضلتهم، يريد أن يقول: إن هناك مثالين لا بد أن يعرفهما دارسي العربية، حين تقول: أنت أفره عبد في الناس معناها أنت أحد هؤلاء الناس، ذكر مثالًا أولًا على هذا فقال: تقول: الخليفة أفضل بني هاشم هذا يجوز، ولكن لا يجوز الخليفة أفضل بني تميم؛ لما تعلمونه من أن الخلافة الأصل الأصيل فيها أن تكون من بني هاشم قوم النبي -صلى الله عليه وسلم وآله- فالخليفة حين نقول أفضل بني هاشم لماذا صح هذا التعبير؟ لأن الخليفة من بني هاشم، ولما لم يكن من بني تميم لا يجوز أن نقول: الخليفة أفضل بني تميم، كيف نفضله على أناسٍ هو ليس منهم، أما إذا كان الخليفة منهم جاز ذلك كما قال المبرد.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ـ[قبة الديباج]ــــــــ[03 - 09 - 2006, 03:30 م]ـ
بارك الله فيك .. ونفع بك
ـ[أبو تمام]ــــــــ[04 - 09 - 2006, 12:41 ص]ـ
بارك الله فيك أخي عمر، ونفعنا بكم ..
جهد مبارك -إن شاء الله - وبما أنك تطرقت لسيرة المبرد فلعلي أضيف شيئا يسيرا عن ذلك الرجل.
فهو لفطنته سمّاه أستاذه المازني بالمبرِّد (اسم الفاعل)، لكن الكوفيون حرّفوه وجعلوه المبرَّد (اسم مفعول)، ولا يخفى على احد أثره النحوي، لكن يعاب عليه جرأته على تخطئة القرّاء، والقراءة نفسها وإن كانت صحيحة متواترة ولكنها لا توافق القواعد النحوية، فتارة يحكم عليها باللحن، وتارة أخرى يعيب قارءها بأنه لا يفقه بالعربية شيئا، وهذا بلاشك لا يصح بأي شكل من الأشكال، لأن هذه القراءات متواترة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكيف يرميها باللحن، ولعل أشهرها ما ذكر عنه أنه قال " إذا صليت خلف إمام وسمعته يقرأ بقوله تعالى"تساءلون به والأرحامِ" بالكسر، أخذت نعلي ومضيت " أو نحو ذا الكلام.
ولكنه مع هذا يعد من أبرع نحاة البصرة، والقارئ لكتاب الكامل في اللغة والأدب يعجب بأسلوبه، وإسهابه، واستطراده الممتع الشيق، فالأدب يمتزج مع الفائدة النحوية وكلها تصب في قالب واحد، وأنا عن نفسي لا أنام إلا بقراءة صفحات من ذا الكتاب، وأنصح من لم يقرأه بأن يتناوله، لأن به الفائدة النحوية الممزوجة بأدبنا العربي.
لك أعذب التحايا أخي الكريم
ـ[عمرمبروك]ــــــــ[04 - 09 - 2006, 01:37 ص]ـ
¥