ثم قال لي: ترى داود هذا لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم، لظننت أنه يكيد أهل البدع بما عنده من البيان والآلة، ولكنه تعدى، لقد قدم علينا من نيسابور، فكتب إلي محمد بن رافع، ومحمد بن يحيى، وعمرو بن زرارة، وحسين بن منصور، ومشيخة نيسابور، بما قد أحدث هناك، فكتمت ذلك لما خفت عواقبه، ولم أبدأ له شيئا من ذلك، فقدم بغداد، وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن، فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فقال له: رجل سألني أن يأتيك، قال: ما اسمه؟ قال: داود، قال: من أين هو؟ قال: من أهل أصبهان، قال: أي شيء صناعته قال: وكان صالح يروّغ عن تعريفه إياه، فما زال أبو عبد الله -رحمه الله- يفحص عنه، حتى فطن، فقال: هذا قد كتب إلي محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محدث، فلا يقربني، قال: يا أبة إنه ينتفي من هذا، وينكره فقال أبو عبد الله أحمد: محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له في المصير إلي.
- - -
[كلام أبي زرعة في الحارث المحاسبي]
(2/ 561، 562)
شهدت أبا زرعة سئل عن الحارث المحاسبي، وكتبه فقلت (أظن الصواب: فقال) للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر، فإنك تجد فيه ما يغني عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والأئمة المتقدمين، صنفوا هذه الكتب في الخطرات، والوساوس، وهذه الأشياء، هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم، فأتونا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي، ومرة بحاتم الأصم، ومرة بشقيق البلخي. ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع!
- - -
[تحذير أبي زرعة من القصاص الذين يجولون في الأمصار وغرضهم الدراهم والدنانير]
(2/ 565)
شهدت أبا زرعة وأتاه أبو العباس الهسنجاني، فكلمه أن يقبل يحيى بن معاذ، رجل كان بالري، يتكلم بكلام يشبه كلام منصور بن عمار، أو نحو ذلك، فقال: إنه يقول: أنا على مذهبك، فأنا رجل نواح أنوح. فقال أبو زرعة: إنما النوح لمن يدخل بيته، ويغلق بابه، وينوح على ذنوبه، فأما من يخرج إلى أصبهان، وفارس، ويجول في الأمصار في النوح، فإنا لا نقبل هذا منه، هذا من فعال المستأكلة، الذين يطلبون الدراهم، والدنانير، ولم يقبله.
- - -
[التحذير من المُغَبِّرَة الذين يرقصون]
(2/ 569، 570)
قلتُ: جميل بن الحلال العتكي؟ قال: قد كنت كتبت عنه، وسألت عنه نصر بن علي الجهضمي فقال: اتق الله، ذاك زفَّان، يجتمع بالليل مع هؤلاء المغبرين، يزفن، ويرقص معهم. قال أبو زرعة: فضربت على ما كتبت عنه.
- - -
[الكلام في أبي حنيفة وصاحبيه]
(2/ 570)
سمعت أبا زرعة يقول: كان أبو حنيفة جهميا، وكان محمد بن الحسن جهميا، وكان أبو يوسف جهميا بيِّن التجهم.
- - -
[(لا أصل له) تطلق على الحديث مع ثبوته موقوفا]
(2/ 574، 575)
قلتُ: إنه حدثني عن محمد بن محبوب، عن جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، قال: باطل، وزور، لا أصل له. ثم جعل يرغب إلى الله في الستر، والعافية.
عنى أبو زرعة -إن شاء الله- في حديث جويرية أن لا أصل له مرفوعا، وقد رواه جويرية، عن نافع، عن ابن عمر فقط، رواه عنه جعفر بن سليمان، فلا أدري لم يحفظه أبو زرعة، أو قال: لا أصل له أصلا، فأما أنا فإني أحفظه عن ابن عمر موقوفا.
- - -
[بنت تصون أباها بعد تغير حفظه]
(2/ 575، 576)
قلتُ لأبي زرعة: قرة بن حبيب تغير؟ فقال: نعم، كنا أنكرناه بآخره، غير أنه كان لا يحدث إلا من كتابه، ولا يحدث حتى يحضر ابنه، ثم تبسم. فقلت: لم تبسمت؟ قال: أتيته ذات يوم، وأبو حاتم، فقرعنا عليه الباب، واستأذنا عليه، فدنا من الباب ليفتح لنا، فإذا ابنته قد خفت (لعل الصواب: قد خافت)، وقالت له: يا أبة إن هؤلاء أصحاب الحديث، ولا آمن أن يغلطوك، أو يدخلوا عليك ما ليس من حديثك، فلا تخرج إليهم، حتى يجيء أخي، تعني علي بن قرة. فقال لها: أنا أحفظ، فلا أمكنهم ذاك. فقالت: لست أدعك تخرج، فإني لا آمنهم عليك، فما زال قرة يجتهد، ويحتج عليها في الخروج، وهي تمنعه، وتحتج عليه في ترك الخروج، إلى أن يجيء علي بن قرة، حتى غلبت عليه، ولم تدعه. قال أبو زرعة: فانصرفنا، وقعدنا، حتى
¥