207 – وأمَّا قوله – صلى الله عليه سلم - في هذا الحديث: " اشتكت النَّار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً .. ". الحديث. فإنَّ قوماً حملوه على الحقيقة وأنَّها انطقها الذي انطق كل شيء، واحتجوا بقول الله عز وجل: [يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم]. وبقوله: [وإن من شيء إلاَّ يسبح بحمده]. وبقوله: [يا جبال أوبي معه]. أي سبحي معه، وقال: [يسبحنَّ بالعشي والإشراق]. وبقوله: [يوم نقول لجنهم هل امتلأت وتقول هل من مزيد]. و ما كان من مثل هذا، وهو في القرآن كثير، حملوا ذلك كله على الحقيقة لا على المجاز، وكذلك قالوا في قوله عز وجل: [إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً]. و: [تكاد تميز من الغيظ]. وما كان مثل هذا كله.
وقال آخرون في قوله عز وجل: [سمعوا لها تغيظاً وزفيراً]. و: [تكاد تميز من الغيظ]. هذا تعظيم لشأنها، ومثل ذلك قوله عز وجل: [جدار يريد أن ينقض]. فأضاف إليه الإرادة مجازاً، وجعلوا ذلك من باب المجاز والتمثيل في كل ما تقدم ذكره،على معنى أنَّ هذه الأشياء لو كانت مما تنطق أو تعقل، لكان هذا نطقها وفعلها. التمهيد: (3/ 8).
208 – وفي هذا الحديث [1] من الفقه أصلٌ عظيم جسيم مطرد في أكثر الأحكام، وهو أن اليقين لا يزيله الشك وأنَّ الشيء مبني على أصله المعروف حتى يزيله اليقين لا شكَّ معه، وذلك أنَّ الأصل في الظهر أنَّها فرض بيقين أربع ركعات فإذا أحرم بها ولزمه اتمامها وشكَّ في ذلك فالواجب الذي قد ثبت عليه بيقين لا يخرجه منع إلاَّ يقين، فإنَّه قد أدى ما وجب عليه من ذلك.
وقد غلط قوم من عوام المنتسبين إلى الفقه في هذا الباب فظنوا أنَّ الشكَّ أوجب على المصلي إتمام صلاته والإتيان بالركعة، واجتجوا لذلك بأعمال الشك في بعض نوازلهم وهذا جهل بيِّن وليس كما ظنوا، بل اليقين بأنَّها أربع فرض عليه إقامتها أوجب عليه إتمامها، وهذا واضح والكلام لوضوحه يكاد يستغنى عنه. التمهيد: (3/ 14).
209 – مذهب الثوري وأي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي ومن سلك سبيله: البناء على الأصل، حدثتاً كان أو طهارة، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور بن علي ,أبي جعفر الطبري، وقد قال مالك: إنَّه إن أعرض له ذلك كثيراً، فهو على وضوئه.
وأجمع العلماء أنَّ من أيقن بالحديث وشكَّ في الوضوء، أنَّ شكه لا يفيد فائدة ,انَّ عليه الوضوء فرضاً، وهذا يدلك على أنَّ الشك عندهم ملغى، وأنَّ العمل على اليقين عندهم، وهذا أصلٌ كبير في الفقه فتدبره وقف عليه. التمهيد: (3/ 15).
210 – وفي هذا الحديث أيضاً دليل على أنَّ الزيادة في الصلاة لا يفسدها ما كانت سهواً أو في اصلاح، لأنَّ الشاك في صلاته إذا أمر بالبناء على يقينه وممكن أن يكون على اثنين وهو شك هل صلى واحدة او اثنتين، فغير مأمون عليه أن يزيد في صلاته ركعة وقد أحكمت السنة أن ذلك لا يضره لأنَّه مأمور به. التمهيد: (3/ 16).
211 – وفي هذا الحديث أيضاً أنَّ الساهي في صلاته إذا فعل ما يجب عليه فعله سجد لسهوه، وفيه أنَّ سجود السهو في الزيادة قبل السلام، وهذا موضع اختلف الفقهاء فيه، قال مالك وأصحابه: كل سهو كان نقصاناً من الصلاة، فالسجود له قبل السلام، لحديث ابن بحينة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قيامه من اثنتين دون أن يجلس فيسجد لسهوه ذلك قبل السلام، وقد نقض الجلسة الوسطى.
قال مالك: وإن كان السهو زيادة فالسجود له بعد السلام على حديث ذي اليدين لأنَّه صلى الله عليه وسلم سها وسلم من ركعتين يومئذ، وتكلم ثم انصرف وبنى، فزاد سلاماً وعملاً وكلاماً، وهو ساه لا يظن أنَّه في صلاى ثم سجد بعد السلام.
وهذا كله قول أبي ثور، وهو الصحيح في هذا الباب ن جهة الآثار، لأنَّ في قول مالك ومن تابعه على ذلك استعمال الخبرين جميعاً في الزيادة والنقصان واستعمال الأخبار على وجوهها أولى من ادعاء التناسخ فيها. التمهيد: (3/ 17).
الحواشي:
[1] أي حديث الموطأ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً .. ؟؟. فليصلِّ ركعة وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيمٌ للشيطان.
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
ـ[أبو الحسنين السوري]ــــــــ[19 - 05 - 10, 02:37 ص]ـ
جزاكم الله تعالى كل خير يا شيخنا الفاضل
ما شاء الله عليك على هالهمة
للترطيب الجو أقول:
"عين الحسود فيها عود "
ـ[نبيل أحمد الطيب الجزائري]ــــــــ[19 - 05 - 10, 01:15 م]ـ
هلا أرسلت إلينا ما توصلت إليه إلى حد الآن من الفوائد على شكل ملف doc فأنا متلعذهف لقراءة هذه الفوائد فإن الوقت من ذهب يا أخي السوري
فلا تحرم نفسك من الأجر
ـ[السيد شكرى]ــــــــ[20 - 05 - 10, 10:36 ص]ـ
جزاكم الله خيرا و إفادة
¥