تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - ثم قوله:" ومنهم من قال بل هو على ظاهره وتمسكوا برواية "خلق الله آدم على صورة الرحمن". قلت: هذا أيضا فيه تلبيس، لأن الأصل أن يبين أن علماء الحديث طعنوا في هذه الرواية، وأنه لم يصححها عالم ناقد، كما سيأتي، والأصل أن تُثبت العرش ثم تنقش.

5 - ثم قال: "علماً أن هذا المعنى "خلق الله آدم على صورته" هو نص التوراة المحرفة. ففيها: "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ... "

قلت: بينت في تعقيب سابق أن التوراة ليست كلها محرفة، فهي (إجمالا) وحي الله الذي أنزله على موسى، وإلا لما قال الله تعالى: (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى)، وقال: (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)، وقال تعالى: (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ... ) وقال: (مصدقا لما بين يديه ... )،والقرآن فيه تحريم القتل والزنا وكذا التوراة، وهكذا نصوص السنة، فلا يمتنع أن يأتي حديث نبوي يوجد مضمونه أو فحواه في الكتب السابقة، إذ الأنبياء مصدرهم واحد وهو الوحي، ولا ننسى حديث: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، لكنا نجزم بالتحريف إذا وجدنا في الكتب السالفة شيئا يعارض الثابت عندنا.

فهذه مسألة أساسية لا يصح إغفالها، لهذا أقول إن اتكاء الأخ حوى في رد النص على وجود تشابه مع نص التوراة (وليس هناك تشابه) يدل على فقدانه مسوغات النقد العلمي، فنص التوراة صريح في التشبيه لقوله: "على صورتنا كشبهنا" ولو اقتصر نص التوراة على كلمة "على صورتنا" لاحتمل التأويل والتفسير بما ليس فيه تشبيه، حيث تفسر الصورة بالصفة، فأين هذا من النص النبوي الصحيح: (على صورته) والضمير هنا يعود على آدم وليس على لفظ الجلالة كما سيأتي.

وأنتقل الآن إلى إفادة الباحثين عن الحق، حول حديث الصورة المشهور: " خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا "

فقد جاءت جملة من الأحاديث فيها ذكر الصورة، وعند التأمل فيها نجد أن المعنى المراد في كل واحد منها ليس واحدا، ذلك لأن الصورة في اللغة لها عدة معانٍ وإطلاقات يُفهم كل منها حسب السياق (وهنا نركز على أهمية عدم إغفال النظر في سياق النصوص من أجل فقهها، وعدم التسرع وبتر النص عن سياقه وعن النصوص الأخرى)

الصورة في اللغة:

قال في القاموس: "الصُّورَةُ: بالضم: الشَّكْلُ ... وتُسْتَعْمَلُ الصُورَةُ بمعنى النَّوْعِ والصِّفَةِ"

وقال ابن الأثير: الصُّورة تَرِدُ في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقةِ الشَّيء وهيئته وعلى معنى صِفَتِه. يقال: صورةُ الفعلِ كذا وكذا أي: هيئته، وصورةُ الأمرِ كذا وكذا أي: صِفَتُهُ.

وقد جاءت أحاديث صحيحة فيها إطلاق الصورة وعند التأمل في سياقها نجد أن المراد في بعضها الصفة لله تعالى، وأحاديث أخرى فيها ذكر الصورة والمراد بها صورة آدم بمعنى هيئته وتركيبه، وأحيانا يراد صورة من ورد الحديث بسببه، كما يتضح من تفصيل الروايات وسياقها فيما يأتي:

1 - أخرج الشيخان عن أبي هريرة–رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال اذهب فسلِّم على أولئك النفر من الملائكة جلوس ... فكل من يدخل الجنة على صورة آدم).

ذكر الخطابي وغيره معنى هذا الحديث: أن الهاء في قوله "على صورته" مرجعها إلى آدم عليه السلام، والمعنى أن ذرية آدم إنما خُلقوا أطوارا، وآدم لم يكن خلقه على هذه الصفة، لكنه أول ما تناوله الخلق وُجد خلقا تاما طوله ستون ذراعا.

وذكر الحافظ ابن حجر أن هذه الرواية تؤيد قول من قال: إن الضمير لآدم لأن قوله: "وطوله " عاد الضمير فيها على آدم ()

ويظهر من سياق الحديث ومعناه أن المراد بصورة آدم صفته من هيئة وتركيب وما أعطاه الله من الطول والجمال، وإطلاق الصورة على الصفة وارد في عدد من الأحاديث، فمن ذلك:

1 - ما أخرجه الشيخان أيضا عن أبي هريرة: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دُرّيّ في السماء إضاءة ... على خُلُقِ رجلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء)

وأخرجه مسلم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة .. بلفظ: (أخلاقهم على خُلُق رجل واحد، على طول أبيهم آدم ستون ذراعا)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير