فقوله في الحديث: "على صورة القمر" واضح أن معناه على صفة القمر وهيئته في الجمال والإضاءة، كما جاء في رواية مسلم من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا: (تُضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر)
ثم قوله "على صورة أبيهم ... " يعني: على صفة أبيهم في الطول، لهذا فسرها بقوله ستون ذراعا في السماء. ويؤكد ذلك صريح رواية مسلم: "على طول أبيهم آدم".
- ومن ذلك ما أخرجه البخاري من حديث سمرة: (أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجالٌ شَطْرٌ من خَلْقِهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطرٌ كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: هذه جنة عدن .. ).
في أحسن صورة: في أحسن صفة وهيئة، وهو واضح من السياق. لهذا قال ابن حجر: قوله (ذهب ذلك السوء عنهم) أي صار القبيح كالشطر الحسن، فلذلك قال: وصاروا في أحسن صورة ()
2 - أخرج البخاري في التوحيد، عن أبي هريرة، أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ... فساق الحديث إلى قوله: "فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم، فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ... الحديث" إلى قوله: قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا
وواضح من سياق الحديث أن المراد بالصورة الصفة، فيكون المعنى: فيأتيهم الله في الصفة التي يعرفون مما وصف الله به نفسه من صفات الجلال والجمال حيث وصف نفسه أنه حي قيوم قادر عظيم سميع بصير ونحو ذلك، مما يشترك فيه الإنسان في أصل الصفة مع الخالق تبارك وتعالى، وليس المراد غير ذلك لأنه تعالى (ليس كمثله شيء)
3 - أخرج مسلم في من طريق قتادة، عن أبي أيوب، عن أبي هريرة عن النبي–صلى الله عليه وسلم: (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته).
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه
وأخرجه ابن خزيمة، من طريق الليث عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، بنحوه
قال أبو بكر ابن خزيمة: توهم بعض من لم يتحر العلم أن قوله "على صورته" يريد صورة الرحمن، عزَّ ربنا وجلَّ عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل قوله " خلق آدم على صورته " الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم، أراد صلى الله عليه وسلم- أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أُمر الضاربُ باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبّح وجهه فزجره -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: "ووجه من أشبه وجهك" لأن وجه آدم شبيه وجه بنيه، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: " قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك" كان مقبحا وجه آدم -صلوات الله وسلامه عليه- الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم ()
وقال البيهقي (الأسماء والصفات) موضحا معنى الضمير في قوله: "على صورته": وإنما أراد -والله أعلم- فإن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب.
قال: وذهب بعض أهل النظر إلى أن الصور كلها لله تعالى على معنى الملك والفعل، ثم ورد التخصيص في بعضها بالإضافة تشريفا وتكريما، كما يقال ناقة الله وبيت الله ومسجد الله، وعبّر بعضهم بأنه سبحانه ابتدأ صورة آدم لا على مثال سبق، ثم اخترع بعده على مثاله، فخُصّ بالإضافة، والله أعلم.
وقال الأصفهاني: وإضافته إلى الله سبحانه على سبيل الملك، لا على سبيل البعضية والتشبيه، تعالى عن ذلك، وذلك على سبيل التشريف له كقوله: بيت الله، وناقة الله، ونحو ذلك. قال تعالى: {ونفخت فيه من روحي} (المفردات: مادة صور)
قلت: إن الخبر السابق عند التأمل في سياقه يتضح أنه وارد على سبب فالضمير يعود على المضروب لما تقدم من الإرشاد باجتناب وجهه تكريما له، ولولا أن ذلك هو المراد لما كان لهذه الجملة ارتباط بما قبلها.
¥