وعلى قول من قال أن المقصود بالضمير في قوله: " على صورته" هو الله تعالى، فإنها تُُحمل على ما قاله البيهقي والأصفهاني، أو تحمل على الاشتراك في أصل الصفات بين الخالق والمخلوق، فلفظة (على) تقتضي الاشتراك والمطابقة في الصفات؛ لكن لا تقتضي المماثلة، فالخالق سميع بصير والمخلوق سميع بصير، فهذا اشتراك في أصل الصفة، وهو مما كرّم الله به بني آدم، فاعتقاد مثل هذا لا يتناقض مع قاعدة إثبات الصفات كما يليق بالله تعالى دون تشبيه ودون تأويل، ولجوءً إلى القاعدة الكبرى المتفق عليها، قوله تعالى: (ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير) وإن القول بخلاف ذلك لهو خروج عن المبدأ وهو إثبات المعاني الظاهرة مع تفويض الكيفية.
وبهذا يتبين لك خطأ الدكتور حوى عند قوله: ويصبح التقدير "وخلق الله آدم على صورة آدم"، لأن الهدف من استعمال الضمير الهروب من التكرار، فبدل أن تقول:إن زيدا أكرم ابن زيد، تقول: إن زيدا أكرم ابنه، فتتحاشى التكرار والعي.
وإذا اتضح ما سبق، تبين لنا أن الحديث ليس فيه إشكال إذا فهمناه بالطريقة السابقة، فتسلم صحة الحديث ويسلم الفهم، ومن أراد أن يصر على فهمه بطريقة أخرى إنما يبتغي إثارة البلبلة كما فعل صبيغ أيام عمر بن الخطاب، فاستحق أن ينال بعض العراجين.
الرواية المنكرة:
وهذا يقودنا إلى التحذير من رواية منكرة حذر منها علماء الإسلام ولم يخرجها أحد من أهل الصحاح، إنما قد يذكرها من يريد أن يشنع، مع علمه بأن النقاد بينوا زيفها، وأنه مما أخطأ فيه الراوي فرواه بالمعنى
فقد أخرج البيهقي وابن خزيمة من طريق جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خُلق على صورة الرحمن).
وأخرجه أبن أبي عاصم، ثنا أبو الربيع، ثنا جرير، عن الأعمش به .. بلفظ "على صورته" فهذا اختلاف على جرير.
وأخرجه ابن خزيمة مرسلا من طريق عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان-الثوري- عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: لا تقبح الوجه، فإن ابن آدم خُلق على صورة الرحمن).
إن أول ما يهمنا في هذه الرواية هو التحقق من صحتها، لأن هذا هو الأساس، وإن كان يمكن أن تفُسر بما تقدم من الاشتراك بين الخالق والمخلوق في أصل الصفات، لأن الصورة تأتي بمعنى الصفة. لكن إثبات العرش مقدم على النقش، فأقول:
هذه الرواية ردها وأنكرها ابن خزيمة لعلل ثلاث:
إحداهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده، فأرسل الثوري، ولم يقل عن ابن عمر
والثانية: أن الأعمش مدلس وقد عنعن، والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس، وقد عنعن.
قلت: الثوري حافظ فقيه، مقدم على الأعمش باتفاق أهل النقد عند الاختلاف، فإذا أرسل الثوري ووصل الأعمش فالقول قول الثوري لأنه أحفظ وأفقه وهو أمير المؤمنين في الحديث
والأقوال في حفظ سفيان وتفضيله على غيره عند الاختلاف كثيرة، وترجيح روايته هو مقتضى صناعة الإسناد والنقد، فعلى هذا يكون المحفوظ في الرواية هو الإرسال، والمرسل ضعيف عند المحدثين.
ومراسيل عطاء متكلم فيها، نقدها أبو داود وأحمد
ولا بد في هذا المقام من التنبيه على صنيع الحافظ ابن حجر، فقد نبه على هذه الزيادة، وهي قوله "على صورة الرحمن" وقال: الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في السنة والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات.
قلت: وهذا سهو من الحافظ-رحمه الله- فإن وصف رجال السند بأنهم ثقات لا يكفي كما قرر هو في كتبه فلا بد من السلامة من الشذوذ والعلة، وكذا تحقق شرط الاتصال وهو مفقود هنا مع وجود اثنين من المدلسين لم يصرحا بالسماع.
يضاف إلى ذلك أن الحافظ أردف تعليقه السابق بقوله: " وأخرجها ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول، قال: "من قاتل فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن "
قلت بالرجوع إلى كتاب السنة لابن أبي عاصم وجدنا أن الراوي عن أبي يونس هو ابن لَهيعة، وهو معروف باختلاطه وسوء حفظه، فمثل هذا السند لا ينبغي السكوت عليه أو اعتماده لتقوية زيادة منكرة مخالفة للمحفوظ من الروايات
¥