(20) الإمام إبراهيم بن محمد أبو مسعود الدمشقي (401هـ) , وله كتاب "الأجوبةُ على الأحاديثِ التي انتقدها الدار قطني " ردّ فيها عليه. وله "أطراف الصحيحين" وفيه تعليل لبعض أحاديثِ الصحيحين إلا أنّه مخطوط. ومن لطائف كتاب الأجوبة: أنّه تعقّب على بعض الأحاديث بقوله "لم يخرجه مسلم للتصحيح إنما لبيان علّته" فهو يوافق الدار قطني إلا أنه يوضّح أمراً مخفياً.
(21) الإمام أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (405هـ) , وكلامه قليل في العلل, إلا أنّه تكلّم على ذلك في كتبه (المستدرك) (معرفة علوم الحديث) (المدخل إلى الإكليل) (سؤالات السجزي) نسبة إلى سجستان.
وأَخِيراً: من أهمّ المصادر في السنة كتب التخريج (البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير لابن الملقن (804هـ) و (نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي) و (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر) وكتب الشيخ المحدث الألباني رحمه الله.
(تَنْبِيهٌ لطالبِ العِلَلِ)
ليس المقصود من دراسة العلل بأن تصبحَ مثل أئمةِ النقد كالبخاري, ذلك أن كثيراً من نقدِهم البناء للحديث لا يمكن وجوده في هذا الزمن, منها: الخبرة بحال الراوي وشخصيته وكتبه, يكون جاره فيعرف أحواله وتصرفاته كمولى مالك بن سعد له جار يقلّد خط أبي صالح ويكتب أحاديث موضوعة ويبثّها في كتبه, فكيفَ لنا معرفة علةِ الأحاديث؟ وأحد العلماء من العدول روى حديثا موضوعاً في الطب, فسألوه ممن سمعتَ الحديث وعن جيرانه, فذكر أنّ منهم طبيباً سمع قريبا منه, فإذا هوَ قد ركّب إسناداً على مقولةِ الطبيب خطأً!؟.
وهذا الإمام علي بن المدينى وقف على كتاب محمد بن سيرين عن أبي هريرة بخط ابن سيرين, وقسم الكتاب إلى قسمين:
أ- أحاديث مرفوعة على أبي هريرة. ب_ أحاديث موقوفة على أبي هريرة. فاستعمل هذا الكتاب ابن المديني في تعليل أحاديث أبي هريرة. فيقول "الصواب الوقف" أو "الصواب الرفع" فأنّى لنا أن يتوفَّر لنا مثلَ هذا؟ فالقضية ليست هيَ جمع الطرق ويكفي! -كوناً عن الفهم والدقّة والحفظ والملكة- كما هو الواقع في هذا الزمن.
(لمَ ندْرسُ عِلمَ العِلَلْ؟)
أولاً / محاولة فهم كلامِ العماء في التعليل, وهي أكثر الفوائد المرجوّةِ شيوعاً.
ثانياً / الترجيحُ بين كلامهم إذا ختلفوا, فإمام يقول " الصواب الإرسال " وإمام يقول " الصواب الرفع " فأنظر إلى أدلة الفريقين, وأحاول استيعاب سبب اختلافهم, ومن ثمَّ أرجّح وأصوّب, وهذه تحتاجُ إلى علم جمّ وفهم حاقب ودقة متناهية.
ثالثاً / اكتشافُ العلةِ فيما لم نجد لهم فيهِ كلاماً, فقد أقف على مرويَّاتٍ لا أجد لأحد من العلماء الحكمَ عليها, لا قبولاَ ولا رداً, فيحقّ لمن له معرفة بالعلم أن يجمع طرق الحديث ويحكم عليه على ما توصّل إليه بحثه, وهذا وقع للمتأخرين بكثرةٍ كالإمام ابن حجر العسقلانيّ والإمام ناصر الدين الألبانيّ.
مسألةٌ: هل يحقّ رد أحد العلماء غير المتقدمين بردّ الحديث بالشذوذ أو التفرد؟
لئن كان علم العلل من أعمقِ علومِ الحديث فرد الحديث بالتفرّد من أعمق علم العلل, فهو النهايةُ العظمى في التعليل, لأنه في غاية الصعوبة, ويحتاجُ إلى درايةٍ تامةٍ وضوابط مهمّة. فإن كنت سابقاً من إمام فهذا سهل وهيّن فتوافقه.
والأحاديث التي ردّت بالتفرد قسمان:
1 - أحَاديثُ لا نجد فيه إلا حكماً بالردّ من الأئمة, وهو مردود بالتفرد, فلا يصحح بوجه.
2 - أحَاديثُ حصل فيها خلاف من المتقدمين, هذا يَردّ بالتفرد وهذا يَردّ بالقبول.
مثاله: حديثُ: عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال "كان النبي إذا انتصفَ شعبان لم يصم" وهذه السلسة من أقلّ مراتب الحسن, فالحاصل أنّ عامة المتقدمين على إنكار الحديث, إلا أن الترمذي قَبِلَ الحديث, فنقولُ يمكن لمن عندّه أهليةٌ وممارسةٌ في الحديثِ أنْ يرجّح بينهم.
3 - أحاديثُ لم توجد لأحد من المتقدمين رداً بالنكارة, وَهِيَ قِسْمَانِ:
أ- أن يكونَ الحديث الفرد صحّحه بعضهم, ولم يحكم عليه غيره أحد بالنكارة أو الردّ. فإنه يلزمُني اتَّباع هذا الإمام وعدم مخالفته.
¥