تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(2) ما حصل مع أبي موسى في حديث "الإستئذان" وهدّده بضربه إن لم يأتِ بشاهد يشهد على حديثه مع أنَّ عمر ولاّه, ولكن استغرب عمرُ حديثاً لم يكن يعلمه وهو من الأمور الواقعيّة العمليّة, ثم شهد معه أبو سعيد الخدري. حتى إن الحافظ الذهبيّ يقول في "تذكرة الحفّاظ": وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل اهـ. ولهذا كان معاوية يخطب الناس على المنبر يقول " أيَّها النّاسُ لا تحدّثوا إلا بحديث كان يُذكر في زمن عمر فإنه كان يخيف الناس بالله عزوجل".

(3) الأحاديث التي انتقدتها عائشة كثيرة وألّف الزركشي "الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة" ومنها:

أ- قال ابن عمر "إن الميّت ليعّب ببعض بكاء أهله عليه" فلما سمعته عائشة قالت "نَسي أو أخطأ" إنما مرّ النبي على يهوديّة يبكى عليها أهلها فقال "إن أهلها يبكون عليها, وإنَّها لتعذّب في قبرها". فعائشة لم تنزّل من ابن عمر عدالته, إنما خطّأته أو أوسمته بالنسيان, ووضّحت عائشة أن الميّت الكافر ببكاء أهله يُعذَّب.

ب- حديث أبو هريرةَ "من تبع جنازةً فله قيراط من أجر" فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة, -يعني أصبح يروي أحاديث لم نسمعْ بها- فأرسل إلى عائشة يسألها؟ فصدَّقت عائشةُ أبا هريرة, فقال ابن عمر معتذراً: أنت كنت ألزمَنا لرسول الله وأحفظنا لحديثه. وقال: لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة.

-فنجد أن ابن عمر استغرب الحديث لتفرّد أبي هريرة للحديث حتى أمن من عائشة تصديقه لحديث النبيّ.

ج- ذُكر لعائشةَ قول ابن عمر "قول النبي" إنهم ليسمعون الآن ما أقول" فقالت عائشة إنما قال "إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق" ثم قرأت {إنك لا تسمع الموتى وما أنتَ بسمع من في القبور} فلا شكّ أن عائشة هنا أخطأت, ولا يصحّ نقدُ عائشة, وهذا مع أنّ العلماء اختلفوا كثيراً في تأويل الأحاديث, فمنهم من جمع بين الأحاديث, ومنهم من قال: معنى يسمعون: يعلمون, ومنهم من قال: هو خاصّ بالنبي, وأنّ الأصل عدم السماع إلا ما استثني وهو الراجح, وفي الحديث: عَرْض السنَّة على القرآن.

د- حديث عائشة "أن رجلين دخلا عليها وأن أبا هريرة يقول "إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار" فغضبت غضبا شديداً كأنما شقت. فقالت "بئسما قرنتمونا بالكلاب والحمير" إنما كان النبيّ يقول "كانَ أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والطير والدار" ثم قرأت {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} والصحيح ما ثبت في حديث سعد بن أبي وقّاص مرفوعاً "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن ففي المرأةِ والفرس والدار" فبيّن النبي أنه ليس هناك شيءٌ يُجلب الشأم, وإن وجد ففي .. , وبيّن العلماء أن المرأة إن لم تكن صالحة لم تجلب الخير ونكّدت أشر العيش.

هـ- بلغ عائشة أنَّ ابن عبّاس رفع إلى النبي "يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار" فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب", وذهب بعضهم أنّ القطع المقصود به قلة الأجر, وفي المسألة خلاف مشهور ليس هذا بيان ذكره. وأفضل ما تكلّم عن فقه هذا الحديث وحديث "السترة في الصلاة" من المتقدّمين "ابن جرير الطبري" (310هـ) في "تهذيب الآثار". إلى غير ذلك من الأمثلة الكثرة التي توضّح اهتمام الصحابة بالنقد الحديثيّ سنداً ومتناً.

أما سنداًً فكما حصل مع ابن عمر وأبي هريرة.

وأما متناً فكما حصل مع عمر والأنصاري, وغير ذلك مما تدلّ أن العلم ليس بطارئ, إنما نشأ مع نشوء الرواية.

وتعلم أنّ أهل الحديث كان عندهم نقديّة سنديّة ومتنية, ثم تطوّر علم العلل وأصبح يتصدّى له جهابذة كابن معين والبخاري, ولا يلزم من هذا أنَّ نقد الصحابة كان مختلاً, لأنَّ امتداد العصر بعد عصر الرواية زادت أوجه لم تكن موجودة في زمن الصحابةِ, ولهذا يجب معرفة أن أسباب الخطأ والوهم من الصحابة يختلف عن الرجال الذين يخطؤن من بعدهم, فلا تقاس علة الصحابة على علة التابعين وأتباعهم.

فمن أخطاء التابعين ومن بعدهم لم تكن موجودة عند الصحابة:

1 - التصحيف, وهو الأخذ من كتاب مصحّفٍ عن الصحيح والتي فيها أخطاء.

2 - الاختلاط, من الراوي الحديث الذي سمعه من ثقة بالحديث الذي سمعه من ضعيف.

3 - التدليس, وهو ضعيف لأنه قد يكون الساقط ضعيفاً أو كذّاباً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير