المهدي أنه سئل عن أهل الحجاز فأرتبهم ثم أهل البصرة ثم أهل الكوفة فلمَّا سئل عن حديث أهل الشام فنفض ثوبه فهذه روايةٌ لا تصحّ وفيه راوٍ كذّاب.
* السببُ في انتشار هذا العلم في البصرة من أيِّ مكانٍ غيره؟
(1) كثرةُ الروايةِ في البصرةِ والأخطاءِ والأوهامِ, وهذا لا يطعنُ في حديثِ أهل المدينة بل هو مدحٌ لهم, حيث إنَّ حديثهم كانَ نقيََا, وذلك أنَّ التدليس عندهم قليلٌ جدّاً, بل غالبُ المدلِّسين الكوفيّون ثمَّ البصريّون.
(إِشْكَالٌ) لِمَ لمْ يُقلْ بأن العلمَ انتشرَ من عندِ الكوفيّين مع قولِنا بأنّ الخطأَ فيه أكثر؟
أجيبَ: أنّ أحاديث البصرةِ أكثر من أحاديث أهل الكوفة, ومن ثمّ كثرت الروايات والطرق عند البصريّين, فحينئذٍ يتسنَّى لهم تحقيقَ الحديث وتنقيحه فيسهل النقدُ, بخلاف ما إذا كانت الأحاديث قليلة عن أهل الكوفة فسيصعبُ تنقيحه من العلل.
(2) وجودُ النقَّاد الحفًّاظ في أهل البصرة, فمثلاً: أبو حنيفةَ يردّ الحديث الذي يخالف الأصول! وهو من منهجٌ سائدٌ عند أهلِ الكوفةِ, وأوّل من ابتدأه "إبراهيم النخعي" ثم انتشر عندَ بقيّة التلاميذ.
(الخُطُواتُ لمَعْرِفَةِ العِلَلِ فِي الأًَحَادِيثِ)
(1) جمعُ طُرُقُِ الحَديثِ كلِّها, وهو "علم التخريج": عزو الأحاديث إلى المصادر الأصلية, وكلما كان الجمع أكبر كلما كان التعليل أصحّ وأدقّ, وبعضُ الأحيانِ قد تستغني عن بعض الطرق بعد الجمع فقد يكون البيهقي وابن عساكر روى حديثا من نفس طريق أبي داود ما لم تحتج إلى ذكره حتى تميّز بين الروايات إن وجد خطأً أو تصحيفاً أو زيادةً, ولكن الأولى في بداية الأمر جمع كل طرق الحديث بلا استثناء, وأمَّا الاستكثار من الطرقِ فيما بعد فهذا لا ينبغي, لكن جاءت فهارس للكتب أصبحت الهمةُ تقلّ أقلّ فأقلّ, ثم جاء الحاسوب فأصبح الاستكثار من المصادر لا لذّة فيه أبدا, خلال دقيقة تجمع كل الطرق من جميع المصادر, وليس معناه عدم الاستفادة من الحاسوب, بل هو مهمّ جداً إذا كان مقتصراً على تحقيقِِ أمرٍ معيّن أو تخريج عشرات الصفحات, أما أن تكابدَ بين الحاسوب فلن تستفيدَ سوى القليلِ.
(2) مُلاحَظَةُ الفُرُوقِِ بَينَ الرِِّوايَاتِ, في الإسنادِ وفي المتنِ, فإن اتفق ولم يوجد اختلافاً فهذا كافٍ وميسّر, أما إن كان ثمَّة اختلاف –وهو الأكثر- فيصدَّر البحث.
(3) تَقْسِيمُ الأَسَانِيدِ عَلَى الأَوْجُهِ والاخْتِلَافَاتِ, فحديث اختلف في رفعه ووقفه وفيها زيادة أو نقص, فأذكر الأحاديث التي فيها رفع بانفرادٍ, والأحاديث التي فيها الوقف بانفراد, والأحاديث أو الأسانيد التي وافقت بعضها بانفراد, والتي فيها زيادة أو نقص بانفراد, فحينئذ يتصوّر الباحث "طبيعة الاختلاف", فأحيانا بجرّد جمع الطرق يتّضح لك صحَّة الحديث أو سقمَه, كأن يتَّفقوا على رواية حديث, ويأتي رجل واحد فيخالفهم كلهم, لكن أحياناً يكون الاختلاف صعب ويحتاج لتدقيق وبحث, كأن يروي راوٍ الأحاديث على طرق تختلف كل منهما عن الآخر.
(4) تَحْدِيدُ مُلْتقَى الأَسَانِيدِ عُمَوماً ومُلتََقَى كُلِّ فَرْقٍ مِنْهَا, ويسمّيه أهل المصطلح: "مدار الحديث" أو "مخرج الحديث".
مثالُه: حديث من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس, فابن عباس انفرد برواية الحديث فيصبح بحثي مداره على روّاة ابن عباس. كذا إن انفردَ عكرمة ثم إذا انفرد سماك. فيجب تحديد المخرج الأساسي الذي حصلَ من الحديث الغلط, فإن لم أحدّده فلن تستطيع الحكم أو معرفة علَّة الحديث. فلو جاء حديثا من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرّة مرفوعا ومرّة موقوفا, فالواجب معرفة من أين حصل الخلل؟ أمن سماكٍ أو من روّاتِه؟ فإذا عرفت سَهُلَ الحكم على الحديث.
-وذُكر عن ابن سيرين أنه كان يقول "قال ابن عباس قال قال" فبعضهم ذكر أنه اصطلاحٌ خاص عن ابن سيرين في الحديث المرفوع إلى النبيّ –صلى الله عليه وسلم-.
(5) عَرْضُ الطُّرُقِ عَرْضاً كَامَلاً, إما أن تفرشها أمامكَ كلّها وهي طريقة المتقدمين كالدار قطني, أو أن ترسمَ شجرة تعينك على معرفة رجال الحديث كلهم وهي طريقة معاصرةٌ مفيدةٌ, ولكن بعد الممارسة تصبح غنيّة عن رسم الشجرة وتصبح عند الممارس ملكة.
¥