تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هنُا ينبغي لنا الحرصَ الشديد في البحثِ والوقوف عن أحكام وأقوال النقَّاد, وهذا متوفّر في هذا الزمن, فما بقيَ ممًّا يهمّنا كثيراً إلا بقيَّةً من "مسندِ البزّار" وأجزاءً من "العلل للدار قطني" فلا يُعذر طالب العلمِ حتى في البحث عن هذه المخطوطات.

فعلى ذلك قبل الحكم على الحديث يجب النظر في كتب العلل كلّها, فإن وافق أو خالف الحكم فإنه يعتبر نفسه مقصّراً أمام هؤلاء الجهابذة وكيفية التصدّي لهم.

وقال الذهبي عن راوٍ "مجهول" نقلاً فلامه الحافظ ابن حجر بقوله هذا وعدم نسبته للإمام الذي قال ذلك. وقال: هذا التصرّف ليس بجيد فإن النفْس إلى كلام المتقدمين أميل وأشدّ ركوناً. فانظر إلى كلام ابن حجر في مقابلة الحكم بأنه مجهول لا أكثر. أي: لا يُعرف حاله. مع أنّ الذهبي بمنزلةِ ابن معين من المتأخرين لأنه إمامٌ ناقدٌ (شرب الامام ابن حجر ماء زمزمَ حتَّى ينالَ حفظ الذهبي.

(أَسْبَابُ العِللْ الخَفيًّةِ)

وأسباب العلل الخفيّة قسمان: بعمد وبغير عمد.

* بعمد: كالتدليس, ويشمل كلاهما ما لو روى حديثاً بالمعنى لا باللفظ أو اختصره فأخطأ, فهو من وجه تعمد وهو الاختصار والرواية بالمعنى. ومن وجه من غير تعمّد وهو عدم علمِه بغلطه وعدمِ توقّعه ذلك.

* بغير عمد: وينقسم إلى قسمين:

أ- ضَبطُ صَدرٍ, وأنواع الوهم فيه على مراتب خمسة:

(1) النسيانُ, كان حافظاً للحديث ورواه على وجه الصواب ثم نسي. وهو قسمين:

أ- نسيان خاص, فينسى الثقة بحديث واحدٍ, ويكون متمكّن من بقية حديث.

ب- نسيان عام, فينسى كثيراً من حديثه, وهو ما يقع من "المختلط" –ما كان خطؤه أكثر من صوابه- فقد ينساه بالكلّية أو يخلّط في حديثه.

(2) سوء التلقِّي, وهو من لم يحفظ الحديث من يومِ سمع الحديث فلم يضبطه في صدره, وسببه: عدم الوعي التام أثناء سماعه من الشيخ أو أثناء كتابته الحديث. وهذا ما يعبّر عنه العلماء "سمع في حالِ المذاكرة" فالعلَّة عدم الحفظ ليس ذات الذاكرة, لأنه قد يكون صغيراً أو ليس بمجلسٍ للكتاب.

(3) من حفظ ثمَّ خلَّط, فيروِي على خلاف ما سمع وتلقّى, وسببه: البدعة أو الهوى, أوْ ضعفُ الحافظة أوْ عدمُ تعهّد المحفوظ بعد مدّةٍ من الزمن, أو الاختلاط, حتى لو كان حفظ الصغير, ولهذا قولهم "الحفظ في الصغير كالنقش في الحجر" إنما هو تشبيه في أن الصغر أقوى في ثبات الحفظ, لا في النسيان.

أمّا البدعة فكأن يعتقد أن علياَ أفضل من أبي بكر وعثمان, فلو جاء حديث في أنًّ أبا بكر أفضل من عليٍ فهو على حالتين/ إمَّا أن يردّ الحديث وإما أن يعتقد أنّ للحديثِ معنى يخالف الظاهر. وإما أن يكون مِن أهل السنة فينتهي الإشكال.

مثاله: حديث "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" –وفيه دلالة أن العمل من مسمّى الإيمان- رواه أبو حنيفة وأبو ليلى –وهم مرجئة الفقهاء يخرجون العملَ من مسمَّى الإيمان- فروياه "هذا جبريل أتاكم يعلمكم شعائر دينكم" فنبّه الإمام مسلم على هذه العلّة وقال: رووه بالصورة لأنه به يقوّي مذهبهم. ولا يقال إنهم تعمدوا الكذب, إنما وقعوا في الخطأ والوهم خاصّةً, وأنهما: سيئا الحفظ.

مثال آخر: ذكر ابن عديّ في ترجمة أحمد بن أزهر حديثا أن النبي قال "يا علي أنت سيد الأولين والآخرين" بإسناد ظاهره الصحّة عن ابن عبد الرزاق, فيعم ابن معين أنه يروى عن ابن عبد الرزاق فقال: من روى هذا الحديث عن ابن عبد الرزاق فهو كذّاب. فقام هذا الراوي في المَجلس: أنا رويتُ هذا الحديث. فلما عرف ابن معين صدقه أخبره أني أعلم أنكَ لستَ بكاذب. فقال ابن عديٍّ: عبد الرزاق من أهل السبق, وهو ينسب إلى التشيّع, فلعله شبّه عليه لأنه شيعيٌ. والهوى قد يُعذر في صاحبه, يجعل الإنسان لا يُحكّم عقله, لأن بحاجة في كل وقتٍ أن يسأل الله الهداية. وقال ابن معين: لو ارتدّ عبد الرزاق ما كتبنا حديثه. يقصد أن ثقتنا بعبد الرزاق وصحةَ أحاديثه فوقَ كلّ شيء.

(4) لا يحسن الرواية والاختصار, وهو بالمعنى الأعم: لا يستطيع الرواية بالمعنى ولها شروط كأن يكون - فقيها –فقيه النفس, وباختلاف العلماء- عالما باللغة, فإن كان دونه فإنه سيخطئ بالرواية غالباً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير