تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحسِّ فما عارضه أحد الثلاثة " ردَدناه " وما وافقه " قبلناه " وهذا الكلامُ في غايةِ الخطورة, والحمدُ للهِ أنَّ هذا الكلامَ لم يصدُرْ من غيرِ متخصِّصٍ في السنًّةِ النبويَّةِ, بل هو ممَّنْ يدَّعي أَنه من العُلماءِ العُقلاءِ!

لن تجدَ حديثاً واحداً حكم عليه البخاري أو أحد النقَّاد بالصَّحة أنه معارض لأصلٍ معتبرٍ, ممَّا أنزلَهُ الوحيُ أو من العقلِ أو الحسِّ, ليَدلَّ عَلَى كَبِيرِ عِلْمِهِمْ وقُصِورِ مَعَارِضيهِمْ ونَاكِري أحَادِيثِهِمْ (1).

* فالإمام البخاري أدرى بالقرآن من هذا الذي زعمَ أنَّه معارضٌ للقرآن, ومنهُ ما بعثَ بَعْضُ الأَشْخَاصِ أنَّ حديثينِ في البخاري " مُعَارِضٌ لِلْحِسِّ " فأخبرته أنَّ من أوجهِ النقدِ عندَ المحدِّثينَ ألاَّ يكون " معارض للحس " وأدرجتُ بعد ذلك أقوالاً ونماذجَ تنصرُ هذا القول.

* والسنَّةُ النبويًّةُ ستبقى محفوظة إلى أن يشاءَ اللهُ أنْ يقبضَ بقبضِ العلماءِ, والأدلةُ على ذلكَ كثيرة جداً: قال تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال تعالى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} فخاتم النبيين تبقى دعوته, وقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وهذا عامٌ في القرآنِ والسنةِ, لا القرآنِ فقط! , لأنَّ القرآنَ "ألفاظٌ ومَعَاني" ولا شكَّ أنَّ الأهم –والذي أنزل به القرآن- المعاني, ومعاني القرآن لا تدرك إلاَّ بالسنةِ, قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فمن ردَّ ما في السنًّة فكأنَّه يريدُ هدمَ ما في القرآنِ, قال تعالى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال تعالى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ} وهذه الآياتُ كلَّها تردُّ على القرآنيِّينِ.

(إشْكَالٌ في حِفظِ السنَّةِ النبويَّةِ)

* مَا دامَ أنًّ السنَّة محفوظةٌ فإنَّه يُوجَدُ أحَادِيث ضَعِيفَة مَعَ صَحِيحة لا يعْرفها أو لا يُدْرِكُهَا كُلُّ النَّاسِ, والاختلاط في السُّنة من دلائلِ أنها غيرُ محفوظة, ونحنُ نقطعُ أنَّ السنةَ محفوظةٌ, فكيفَ التوفيقُ بَيْنَ هَذينِ النقيضين؟ .. الجَوَابُ: أنَّ هناكَ من هُوَ قادرٌ على التَّمْييز الصحيحِ من الضَّعيفِ, وهذا أمرٌ قطعيٌ, فلا بدَّ من وُجودِ علماء يحفظوا السنَّة, ويميِّزوا بين الصحيح والضعيف, وأجْزمُ أنَّه لم تعرف البشرية من يومِ أنْ خلق الله آدم علماً لنقدِ المروياتِ والأخبار: يقالُ فضلاً عن أن يفوقَ أو يقابِلُ " علمَ السنَّةِ النُّبويَّةِ ".فعلومِ السنة هيَ القادرةُ على أن تميِّزَ لنا من الصَّحيحِ والضَّعيفِ, فعليهِ: رجالُ السنَّةِ النويَّةِ هم القادرون على أن ميَّزوها لَنَا منَ الصَّحيحِ والضَّعيفِ, فنعلمُ علمَ اليقينِ أنّ علوم السنّة هي التي بها يتم "معرفة الصحيح والضعيف" ولا يتم معرفة السنّة إلا بمعرفةِ رجالِها وحفّاظها, فلن تجد في ملّة ولا طائفة توصل الحكم على الحديث والنقد الكامل بغير هذا الطريق.

قالَ الأديبُ المعتزليُّ عَمْرو بن بحرٍ الجَاحِظُ (2) في مَعْرِضِ تَضْعِيفِهِ حديثاً يَحْتَجُّ بِهِ الشِّيعَةُ: ومَتَى ادَّعينا ضعف حديث وفساده فاتَّهمتم رَأيَنا وخِفْتِمْ مَيْلَنَا وخِفْتِمْ غَلَطَنا فاعترضوا عمال الحديث والأثر, فإنَّ عندهم الشفاء فيما تنازعنا فيه, والعلمَ الملتبَسَ منه, وقد أنصفَ كلَّ الإنصافِ مَنْ دَعَاكُمْ إِلَى المَقْنَعْ –ما فيه إقناعكم- مع قُربِ دَارِهِ وقلِّةِ جوْرِهِ, وأصحابُ الأَثرِ مِنْ شأنهم رواية كلِّ ما صَحَّ عندهم, عَليهم كان أوْ لهُم اهـ. صَدَقَ ...

إذ هذا مَا تميَّز بِهِ أهلُ السنًّةِ والجَمَاعةِ مِن أَهْلِ الحَدِيثِ والأَثَرِ, وأنَّهُم أئمةٌ حفاظٌ نقَّادٌ, فَلَيْسَ العِلمُ بالحِفْظِ, إِنَّمَا العِلْمُ المَعرفة. وقال الحَاكِمُ: الحُجَّة عِنْدَنَا الحِفْظُ والفَهْمُ والمَعْرِفَةُ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير