فتجد في كتب العلل: يقولون: فيه رجل متروك. وهذا رجل مدلّس. وتراه يبيِّن عِلةً لحديث, وأنواعاً من اخْتَلافاتِ الرّواةِ ثم يقول: والحديثُ معمولٌ به, فلا يلْزم من التعليلِ بهذا المعنى المعنى أن يردَّ بعضُ الأوْجهِ, وقدْ يكون معتمداً على جمْعِ الطرقِِ, وقَد يكونُ الحَدِيثُ "فرداً" ليس له إلاَّ إسنادٌ وَاحدٌ, وظَاهرُ الإسْنادِ القَبولِ: فيردُّه أهلُ الحَديثِ, وليسَ معناهُ أنَّ العلةُ غيرُ قادحةٍ, بل تكون العلَّةُ قادحةٌ, إنَّما رُدّ لكونِ رَوايهِ ليسَ فيهِ مِنَ الضَّبطِ والإِتْقانِ ما يجبرُ ما تفرَّدَ به, وهذا الذي يسمّيه الحاكم "الشاذ" وصرّح أنه يختلف عن المعلول. لأن تعرف الشاذ عند المتقدمين: "التفرد". والشاذ عند المتأخرين: "مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه".
قَالَ الحَاكِمُ فِي "مَعرِفَةِ عُلُومِ الحَدِيثِ": والشاذ غيرُ المَعْلولِ, فإنَّ المَعلُولَ ما يوقفُ عَلَى عِلَّته أنه دَخَلَ حديث في حديث أو وهم فيه راوٍ أو أرسلهُ واحد فوصَلَهُ وَاهِمٌ، فأمَّا الشَّاذ فإنَّهُ حَديثٌ يتَفّرد به ثقةٌ مِنَ الثِّقاتِ وليْسَ للحَديثِ أصْلٌُ مُتَابِعٌ لذَلكَ الثِّقَةِ اهـ (4).
فنَعلم أن هذا التَّعرِيف بِالاصْطِلاحِ الخَاصِ لا العَامِ, وعَلَى هَذَا لا نَسْتَطِيعُ تَخْطِئةَ الحَاكِم فإنَّهُ إمَامٌ حَافظٌ وهَذَا اصْطِلاح عِنْدَهُ, وبَعضُهُمْ ذَكَرَ العِلَّةَ بأوسعَ ممَّا ذَكَرهُ الحَاكِمُ, وواقِعُ كُتُب العِلَلِ وبالذًّاتِ "علل ابن أبي حاتمٍ" يردُّونَ الحديثَ بالتفرُّدِ, وبعضُهُم يطلقون العلة مما هو خفيّ القادح, وأكثر من مثّل على هذا النَّوعِ الإمامُ أبُو الحَسَنِ عَلِيُ بنُ عُمَرَ الدارَ قُطْنِي فِي "علله" وهو أوْسَعُ كِتَابٍ فِي العِلَلِ, وهَذَا كلُّهُ بالمَعْنَى الخَاصِ فِي تعريفِ العِلَلِ.
قَال الشَّيخُ عبد الله السَّعد: وقدْ توسَّع فيه وشرح أكثرَهُ في بيانِ العِلَّةِ، فيذكرُ الحَدِيثَ، ويُبَيِّنُ أوْجُهَ الاخْتِلافِ، ويُبَينُ مَنْ تَابعَ فُلان، ومَن خَالفَه، وقَدْ يَتكَلَّم عَلَى الحَدِيثِ فِي نَحْو عِشْرينَ صَفْحة, ونَحو ذلك، مثل ما تكلَّم على حديث: «شيبتني هود وأخواتها» وأطَالَ في الكَلامِ عَلَيهِ اهـ.
(أهمِّيَّةُ الكُتُب المُؤلَّفةِ فِي التَّعليلِ العمليُّ)
(1) الإِمَامُ أبو الحَسَنِ عَليُّ بنُ المَدِينِيِّ –رَحِمَهُ اللَّهُ- (234هـ) , وهُوَ أوَّلُ مَنْ ألَّفَ فِي "العِلَلِ" الَّذِي قَالَ فِيهِ البُخَارِي: مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ مَا اسْتَصْغَرْتُهُ عِنْدَ ابْنَ المَدِينِي. وقَالَ النَّسَائِي: كَأنَّه خُلِقَ لِهَذَا الشَّأنِ. وقَالَ أحْمَدُ بنُ حَنْبَل: المَدِينِي أعْلَمنَا بالعِللِ وابنُ مَعِينٍ أعْلَمنَا بِالرِّجَالِ وأشَارِ إلَى نَفْسِهِ يعني أفْقَههمْ لِلْحَدِيثِ (5).
وَفِي الكِتَابِ مُقدِّمةٌ مُهمَّة جِداً لا تُوجُدُ فِي كتابٍ آخرَ, فابْتَدَأ بِالمُكْثِرينَ مِنَ الصَّحَابَةِ ثمَّ التَّابِعِينَ فِي جَمِيعِ الأَعْصَارِ إلَى أنْ أوْصَلَ كَلامهُ إِلى طَبَقَتِهِ, ثمَّ ذَكَرَ عِلَلِ رُوَّاةِ الحَدِيثِ, وهو على اخْتِصَارِهِ إلاَّ أنَّهُ نَفِيسٌ جِداً وهَذا الكِتَابُ مِنْ رواية "ابن البراء" ولَمْ تَصِلْ لَنَا مَخْطُوطَة غَيرها. كذلك كتاب "مسند الفاروق" لابن كَثِيرٍ المفسِّر, فَقَدْ جَمَعَ أَقْوَال عَلِيِّ بْنِ المَدِينِي مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنُ البَرَاء, ولَهَا أَهَمِيَّةٌ كُبْرَى لاستكمالِ منهَجِه فِي التَّ-عليلِ. وأكثر بالنقلِ عن ابن المديني تلميذه البخاري في "التاريخ الكبير" و "التاريخ الأوسط" ولا يعرف عما يسمَّى "التاريخِ الصَّغير".
(2) الإِمَامُ أحْمَدُ بنُ حَنْبل –رَحِمَهُ اللَّهُ- (241هـ) , ولَهُ كُتُبٌ كَثيرَةٌ فِي العِلَلِ –وهي من جمع التلاميذ عنه لا من تأليفه- فعُرفت هذه الكتب برجال راويها, ككتاب "العلل ومعرفة الرجال" برواية ابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل, وكتاب "العلل ومعرفة الرجال" براوية "المرّوذي والميموني وصالح بن أحمد" وهو مَطْبوعٌ فِي مُجَلَّدٍ وَاحِدٍ, وكتب المَسَائِل الفِقْهيَّة والسؤالاتِ الحَدِيثيَّةِ عَنه فوجد فيهما كلام كثير في العلل, كمسائل "الكوسج" ومسائل "إسحاق بن راهويه" ومسائل "الكرماني" ومَسَائِل "أبو
¥