(1) جمعُ طُرُقُِ الحَديثِ كلِّها, وهو "عِلْمُ التَّخْرِيجِ": عزوُ الأحاديث إلى المصادر الأصلية, وكلما كان الجمع أكبر كلما كان التعليل أصحّ وأدقّ, وبعضُ الأحيانِ قد تستغني عن بعض الطرق بعد الجمع فقد يكون البيهقي وابن عساكر روى حديثا من نفس طريق أبي داود ما لم تحتج إلى ذكره حتى تميّز بين الروايات إن وجد خطأً أو تصحيفاً أو زيادةً, ولكن الأولى في بداية الأمر جمع كل طرق الحديث بلا استثناء, وأمَّا الاستكثار من الطرقِ فيما بعد فهذا لا ينبغي, لكن جاءت فهارس للكتب -بعدَ فقْرٍ شديدٍ- أصبحت الهمةُ تقلّ أقلّ فأقلّ, ثم جاء الحاسوب فأصبح الاستكثار من المصادر لا لذّة فيه أبدا, خلال دقيقة تجمع كل الطرق من جميع المصادر, وليس معناه عدم الاستفادة من الحاسوب, بل هو مهمّ جداً إذا كان مقتصراً على تحقيقِِ أمرٍ معيّن أو تخريج عشرات الصفحات, أما أن تكابدَ بين الحاسوب فلن تستفيدَ سوى القليلِ.
(2) مُلاحَظَةُ الفُرُوقِِ بَينَ الرِِّوايَاتِ, في الإِسْنَادِ أو فِي المَتنِِ, فإن اتَّفق ولمْ يوجد اختلافاً فهذا كافٍ وميسَّر –وَهُو نادِرٌ-, أما إن كان ثمَّة اختلاف –وهو الأكثر- فيصدَّر البحث.
(3) تَقْسِيمُ الأَسَانِيدِ عَلَى الأَوْجُهِ والاخْتِلَافَاتِ, فحديث اختلفَ في رفعِهِ ووقفِهِ وفيها زيادةٌ أو نقصٌ, فأذكرُ الأحادِيثَ الَّتِي فِيهَا رفعٌ بانفرادٍ, والأحاديث التي فيها الوقف بانفراد, والأحاديث أو الأسانيد التي وافقت بعضها بانفراد, والتي فيها زيادة أو نقص بانفراد, فحينئذ يتصوَّرُ الباحث "طَبِيعَة الاخْتِلافِ", فأحيانا بمُجرَّد جمعِ الطُّرقِ يتََّضحُ لكَ صِحَّة الحديثِ أو سقمَه, كأن يتَّفقوا على رواية حديث بوجهٍ واحدٍ, ويأتي رجل واحد فيخالفهم كلهم, لكن أحياناً يكون الاختلاف صعبٌ ويَحْتاج لتدقيقٍٍ وبحثٍ, كأن يروي راوٍ الأحاديث على طرق تختلف كل منهما عَنِ الآخرِ.
(4) تَحْدِيدُ مُلْتقَى الأَسَانِيدِ عُمَوماً ومُلتََقَى كُلِّ فَرْقٍ مِنْهَا, ويُسمِّيهِ أهل المُصْطلحِ: "مَدَارُ الحَدِيث" أو "مخْرَج الحديث".
مثالُه: حديث من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس, فابنُ عباسٍ انفرَدَ بروايةِ الحَديثِ فيُصْبحُ بَحثِي مَداره عَلى روَّاة ابن عباس. كذا إن انفردَ عكرمة عن ابن عبَّاس ثم إذا انفرد سِماك عن عكرمةَ فاختلفَ رواتُهُ عنه بوجهينِ. فيجبُ تَحِديدُ المَخْرَجِ الأسَاسِيِّ الذي حصَلَ من الحديث الغلط, فإن لم أحدِّدهُ فلن أستطيعَ الحكمَ أو معرفةَ عِلَّة الحديث. فلو جاء حديثاً مِنْ طَرِيق سِمَاك عن عِكْرِمَة عن ابن عباس مرَّة مرفوعاً ومرَّة موقوفاً –فكانَ الاختلافُ من تلاميذِ سماك- , فالواجب معرفة من أين حَصَل الخِلل؟ أمنْ سِمَاكٍ الخطأ أو مِنْ روَّاتِهِ فأخطئوا؟ فإذا عرفتَ وحدَّدتَ ملتقى هذِهِ الأوجُهِ سَهُلَ الحكمُ عَلَى الحَدِيثِ.
- وذُكرَ عَنِ ابْنِ سِيرينَ أنَّهُ كَان يقول "عن ابن عباس قال قال" فبعضهم ذَكَرَ أنَّه اصطلاحٌ خاص عَنِ ابْن سِيرين في الحَدِيثِ المَرفوع إلى النبيّ –صلى الله عليه وسلم-.
(5) عَرْضُ الطُّرُقِ عَرْضاً كَامَلاً, إما أن تَفْرشَها أمَامكَ كلَّها وهي طريقةُ المتقدِّمينَ كالدار قطني, أو أن ترسمَ شجرةً تُعِينكَ عَلى معرفةِ رِجالِ الحَديث كلِّهم وَهي طريقةٌ معاصرةٌ مفيدةٌ, ولكن بعْدَ المُمَارسة تصبحُ غنيَّة عن رسْمِ الشَّجَرَة وتصبحُ عند الممارسِ ملَكَةً.
(6) مُحَاوَلةُ التَّأمَّلِ والتَّحْلِيلِ لأَسْبَابِ الخِلافِ, -وهِي الَّتي تدلُّ عَلى وجودُ الملكة أو عدمها في التَّعليلِ- وهناك أربعةُ صورٌ للخِلاف:
أ- أن تَكونَ الأوجهُ رِوَاياتٌ متعدِّدةٌ كلها صَحيحةٌ لا وَهمَ فيه.
ب- أن لا يصحَّ منها إلا وَجْهٌ وَاحدٌ والباقِي خَطأ.
ج- أن يكونَ عددٌ منها صَحِيحاً ومنْهَا مَا هُو خَطأ.
د- أنْ يَصِلَ اختلافُها واضْطِرابُها إلى درَجةِ عَدَم استطاعةِ التَّمْييزِ والتَّرجِيحِ. وهو ما يُسمَّى بِ "الاضْطِرَابِ".
(7) تَحتَاجُ هَذه المَرْحَلَةُ الأَخِيرَةُ إلى أمورٍ مهمَّةٍ ثلاثةٍ:
¥