[أَوَّلُهَا] جَهَالَةُ مُرْسِلِهِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ «الْوَهْمُ وَالإِيْهَامُ»: «إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ مُرْسِلُ هَذَا الْحَدِيثِ، لا نَعْرِفُهُ الْبَتَّةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ غَيْرَ هَذَا، وَلا أَعْلَمُ أَحَدَاً مِمِنَّ صَنَّفَ الرِّجَالَ ذَكَرَهُ، مَعَ أَنَّ كَثِيْرَاً مِنْهُمْ ذَكَرَ مُرْسَلَهُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابَهِ، كَابْنِ أبِي حَاتِمٍ، وَأَبِي أَحْمَدَ بْنِ عدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيِّ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوهُ، ثُمَّ لَمْ يَذْكُرُوا إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ فِي بَابِ مَنْ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمَ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ غَايَةَ الْمَجْهُولِ. وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَهُوَ فِي جُمْلَةِ مَا لا يَحْتَجُّ بِهِ أَحَدٌ».
قُلْتُ: وَمَعَ قُوَّةِ هَذَا الْوَجْهِ وَوُضُوحِ دِلالَتِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُو مِنْ مُعَارَضَةٍ. فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الإِمَامَيْنِ ابْنَ مَنْدَهْ وَأبَا نُعَيْمٍ ذَكَرَاهُ فِي الصَّحَابَةِ، فَقَالا: رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
ثُمَّ قَالا، وَاللَّفْظُ لابْنِ مَنْدَهْ: «وَلَمْ يُتَابَعْ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ».
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ «الإِصَابَةُ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ»: «قَدْ رُوِينَاهُ فِي كِتَابِ الْغُرُرِ مِنَ الأَخْبَارِ لِوَكِيعٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فَذَكَرَهُ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ».
قُلْتُ: لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ: ابْنِ رِفَاعَةَ، وَابْنِ عَيَّاشٍ، وَابْنِ عَرَفَةَ بِعُمْدَةٍ فِي ثُبُوتِ الْحَدِيثِ، فَضْلاً عَنْ إِثْبَاتِ الصُّحْبَةِ، فَكَيْفَ وَقَدُ اجْتَمَعُوا فِي سَنَدٍ وَاحِدٍ!!. وثَمَّةَ أَمْرٌ آخَرُ: أنَّ مُبَشِّرَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ أَفْضَلُ وَأَوْثَقُ مِنْ ابْنِ عَيَّاشٍ، رَوَاهُ عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ عنْ إِبْرَاهِيمَ الْعُذْرِيِّ، وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ!. فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَا، فَقَدْ انْتَفَتْ صُحْبَتُهُ، وَثَبَتَتْ جَهَالَتُهُ.
[الثَّانِي] الاخْتِلافُ عَلَى تَوْثِيقِ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ. فَقَدْ مَشَّاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَدُحَيْمٌ: ثِقَةٌ. وَلَكِنْ قَالَ الدُّورِيُّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ. وَقَالَ أبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ السَّعْدِيُّ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَقَالَ أبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لا يُتَابَعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، يَرْوِى مَرَاسِيلَ كَثِيْرَةً وَيُحَدِّثُ عَنْ أَقْوَامٍ مَجَاهِيلَ، لا يُشْبِهُ حَدِيثُهُ حَدِيثَ الأَثْبَاتِ، فَلَمَّا صَارَ الْغَالِبُ عَلَى رِوَايَتِهِ مَا تُنْكِرُ الْقُلُوبُ اسْتَحَقَّ تَرْكَ الاحْتِجَاجِ بِهِ.
قُلْتُ: وَمِمَّا يُقَوِّي أَمْرَ ضَعْفِهِ هَذَا التَّفْسِيْرُ الْجَلِيُّ: رِوَايَتُهُ عَنْ أَقْوَامٍ مَجَاهِيلَ، وَمَا يَغْلُبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَنَاكِيْرِ.
[الثَّالِثُ] الاضْطِرَابُ عَلَى رِوَايَتِهِ عَلَى وُجُوهٍ مُتَعَارِضَةٍ. فَقَدْ رَوَاهُ أَرْبَعَةٌ أَثْبَتُهُمْ: مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ عنْ إِبْرَاهِيمَ الْعُذْرِيِّ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً. وَخُولِفَ هَذَا الْوَجْهُ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ «مُقَدِّمَةِ الْكَامِلِ» (1/ 147) عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَحْوَهُ.
وَخُولِفَ الْوَجْهَانِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ «شَرَفُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ» (47) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي كَرِيْمَةَ عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ.
وأمَّا اسْتِدَلالُ أَبِي عُمَرَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا وَسَّعَ بِهِ مَجَالَ الْعَدَالَةِ فِي الرِّوَايَةِ، فَقَدْ رَدَّهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:
[أَوَّلُهُمَا] ضَعْفُ الْحَدِيثِ وَإِرْسَالُهُ.
[الثَّانِي] أنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ الاسْتِدَلالُ بِهِ أنْ لَوْ كَانَ خَبَرَاً!. وَلا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْخَبَرِ لِوُجُودِ مَنْ يَحْمِلُ الْعِلْمَ، وَهُوَ غَيْرُ عَدْلٍ، وَغَيْرُ ثِقَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَحْمَلٌ إِلاَّ عَلَى الأَمْرِ. وَمَعْنَاهُ أنّهُ أَمَرَ الثِّقَاتَ الْعُدُولَ بِحَمْلِ الْعِلْمِ؛ لأنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يُقْبَلُ عَنِ الثِّقَاتِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أنّه لِلأَمْرِ: أنَّ فِي بَعْضِِ طُرُقِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: «لِيحْمِلْ هَذَا الْعِلْمَ» بِلامِ الأمْرِ.
قُلْتُ: وَمِنْ مُرَجِّحَاتِ هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ رَاوِيَهِ بِصِيغَةِ الأَمْرِ «لِيحْمِلْ هَذَا الْعِلْمَ عُدُولُهُ»: مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَلَبِيُّ، وَهُوَ أَوْثَقُ رُوَاتِهِ عَنْ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ.
وَالْخُلاصَةُ، فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ بِطُرُقِهِ كُلِّهَا، وَالأَغْلَبُ عَدَمُ صِحَّتِهِ، كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُان ابْنُ كَثِيْرٍ وَالْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ.
¥