تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فليس هناك أي نكارة في متن الحديث، أما السند فالظاهر أن كثير بن زيد تفرد بهذا الحديث بهذا السند فكان ماذا؟! نعم العلماء كثيراً يطلقون النكارة على مجرد التفرد كما هو معروف وهذا لا يدل على أن راويه غير ثقة لا سيما إذا كان هذا الراوي كثير الحديث ككثير بن زيد كما قال ابن سعد. قال السيوطي: {وصف – أي الإمام الذهبي - في الميزان عدة أحاديث في " مسند أحمد " و " سنن أبي داود " وغيرهما من الكتب المعتمدة، بأنها منكرة، بل وفي " الصحيحين " أيضا، وما ذاك إلا لمعنى يعرفه الحفاظ، وهو أن النكارة ترجع إلى الفردية، ولا يلزم من الفردية ضعف متن الحديث، فضلا عن بطلانه} (الحاوي للفتاوي للسيوطي).

وإن سلمنا بنكارة متن الحديث فعلته إنقطاع السند بين المطلب وزيد بن ثابت (راجع ترجمة المطلب في تهذيب التهذيب ج 10 ص 161) ولكن الحق أن المتن ليس منكراً.

الرواية الثانية) قال الذهبي {هشام بن عبيد الله، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا كثير بن زيد، عن الوليد ابن رباح، عن أبي هريرة مرفوعا: لا تتمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن من السعادة أن يطيل الله عمر العبد ويرزقه الإنابة. وقد رواه البزار في مسنده، عن عدة، عن العقدي، حدثنا كثير بن زيد، حدثنا الحارث بن أبي يزيد، عن جابر مرفوعا: لا تتمنوا الموت فإن هول المطلع شديد. فهذا مع نكارته له علة كما رأيت}.

قلت: ماذا يريد الإمام الذهبي من قوله " له علة كما رأيت "؟! يريد أن كثير بن زيد اضطرب في هذا الحديث فرواه مرة عن الحارث بن أبي يزيد عن جابر ومرة عن الوليد ابن رباح، عن أبي هريرة. وهذا كلام غير صحيح جزماً:

هذا الحديث رواه أبو عامر العقدي وأبو أحمد الزبيري وعيسى بن يونس ومحمد بن إسحاق بن محمد الفروي وسفيان بن حمزة جميعاً عن كثير بن زيد عن الحارث بن يزيد (أو أبي يزيد) عن جابر بن عبد الله (راجع مسند أحمد والآداب للبيهقي والكامل لابن عدي والمستدرك للحاكم ج 4 ص 240 وحديث أبي الفضل الزهري رقم 314). وخالفهم هشام بن عبيد الله الرازي فرواه عن سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد ابن رباح، عن أبي هريرة. وهشام بن عبيد الله الرازي هذا هو من رجال الميزان، قال الحافظ: {ابن حبان ذكره في الضعفاء فقال: كان يهم ويخطئ على الثقات ... وروى عن مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا مثل أمتي المطر الحديث، قال الذهبي في الميزان كلاهما باطل. قلت: ذكر الدارقطني أنه تفرد بحديث مالك وأنه وهم فيه فدخل عليه حديث في حديث}. وأورده الذهبي في المغني وقال: {قال ابن حبان كثرت مخالفته للأثبات فبطل الاحتجاج به ثم روى له حديثين أراهما موضوعين}. إذن سند رواية أبي هريرة لا يصح إلى كثير بن زيد لكي يقال أنه قد اضطرب في هذا الحديث فرواه مرة بسنده عن جابر ومرة بسند آخر عن أبي هريرة. ومما يدل على أن هشام بن عبيد الله الرازي هو الذي وهم: أن البيهقي روى هذا الحديث بإسناده عن عبد الله بن وهب عن سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الحارث بن أبي يزيد عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لا تتمنوا الموت فإن هول المطلع شديد و أن من السعادة أن يطيل الله عز و جل عمر العبد و يرزقه الإنابة (راجع شعب الإيمان للبيهقي). فسليمان بن بلال أيضا يروي هذا الحديث عن كثير بن زيد عن الحارث بن أبي يزيد عن جابر بن عبد الله خلافاً لما رواه هشام بن عبيد الله عن سليمان. فكان على الإمام الذهبي أن يذكر هذا الحديث بترجمة هشام بن عبيد الله الرازي ولا بترجمة كثير بن زيد.

أما كلام الإمام الذهبي {فهذا مع نكارته} فإن يريد نكارة المتن فكثير من العلماء ذكروا هذا الحديث في كتبهم وشرحوه وذكروا في معناه أحاديث غير قليلة من النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا الإمام القرطبي يقول في التذكرة: {روى مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. أخرجه البخاري وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا يتمنين أحدكم الموت و لا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله و إنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا. و قال البخاري: لا يتمنين أحدكم الموت: إما محسنا فلعله أن يزداد خيراً و إما مسيئا فلعله أن يستعتب. البزار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد و إن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة ... }. وراجع أيضا فيض القدير (ج 6 ص 503).

فلذا لم يقل أحد من المتقدمين في كثير بن زيد: " منكر الحديث " أو " في حديثه نكارة " أو حتى " يروي المناكير ". وقال الإمام الذهبي بعد أن ذكر هذين الحديثين بترجمة كثير بن زيد – تبعاً لابن عدي-: {قال ابن عدي: لم أر بحديث كثير بأساً} (راجع ميزان الإعتدال).

والسلام

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير