تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أقول: هذا الكلام الذي ختم به الباجي ترجمة سعد غريب فلا هو أفصح أنه ممن يحتج به ولا أفصح أنه متروك فاعجب لقوله إن كنت متعجبا " ولا أذهب إلى أن سعد بن إبراهيم يجري مجرى محمد بن إسحاق ... " وهذا صريح أنه فوق ابن إسحاق ثم قال " لا أقول إن سعد بن إبراهيم يبلغ عندي مبلغ الترك " وهذا غريب فمن كان فوق ابن إسحاق لا شك أنه لا يبلغ مبلغ الترك فلم هذه العبارة إذا فلو كان الرجل دون ابن إسحاق عنده لاحتملت له وهذا خلط فالله المستعان

ثم قال: ولكني أهاب من حديثه مثل ما ذكرته ولا يحتمل عندي الانفراد به فإن كان مالك وأهل المدينة تركوا الأخذ عنه لأنه لم يكن عندهم من أهل هذا الشأن فهو الذي ذهبت إليه من حاله والذي ظهر إلي من قلة حديثه مع ما فيه مما لا يحتمله مثله كالحديث الذي ذكرته فلا أرى الاحتجاج به وإن كان أهل المدينة تركوه لطعنه في نسب مالك على وجه يوجب رد حديثه فالأمر أشد فيه والله أعلم اهـ

أقول: احتار الرجل في أمر سعد فلا يعلم السبب الذي تركه لأجله أهل المدينة وما زال مصرا أن أهل المدينة سوى مالك تركوه وهي دعوى كما تقدم لا شبهة لها

وقوله " والذي ظهر إلي من قلة حديثه مع ما فيه مما لا يحتمله مثله " غريب حقا فإن هذه الحال لو ثبتت عنه حقيقة لرماه الأيمة قاطبة بالضعف أو الترك فإن الرجل إذا قل حديثه وروى ما لا يحتمل ضعف أو ترك والواقع خلافه فإن سعدا كثير الحديث وصفه بذلك من هو أعلم بالحديث ورجاله من الباجي وحديثه مستقيم صحيح والدليل على ذلك رواية الأكابر عنه سفيان وشعبة ويحيى القطان وتوثيق الأيمة وتثبيتهم له واحتجاجهم به وتصحيحهم له فأين هذا مما زعمه الباجي

ووالله الذي قوله صدق وحكمه عدل إن قول الباجي في سعد فيه إسراف وشطط وتحامل غير مرضي وقد جانب به الجادة التي سلكها من سبقه من الأيمة الذين هم أعلم وأعرف وأقعد بهذا العلم منه وليته قلدهم في هذه المسألة فاستراح وأراح رحمه الله وطيب ثراه

الخلاصة أن سعد بن إبراهيم ثقة ثبت في حديثه ممن يحتج به وبقيت شبهتان استند إليهما الباجي في تضعيف هذا الحديث ولو اكتفى بهما ما طال الكلام

1/ أنه استنكر رواية سعد عن الأعرج ولو كان الحديث محفوظا عنه لرواه أصحاب الأعرج وما تفرد به سعد

وهذا الكلام صحيح وهو قاعدة عند أهل الحديث لكن لها ضوابط منها اشتهار الشيخ بكثرة الحديث وكثرة التلاميذ واختصاصهم به دون غيرهم وأن يكون الراوي من جملة الثقات دون حفاظهم واعتبار الطبقة له أثر في ذلك فليس من تفرد في طبقة التابعين كمن تفرد بعدهم وهكذا وكلام الذهبي مشهور في هذا وليس تفرد سعد من هذا بسبيل فإن الرجل متقدم الطبقة وهو ثبت في روايته ولو كانت هذه علة ما خفيت على الشيخين

ومن الشيخين وإخوانهما أهل الحديث تعلم الناس هذه القاعدة وغيرها وقد صححا هذا الحديث وخرجاه في أصح كتابين بعد كتاب الله وما انتقده عليهما أحد لا الدارقطني ولا ابن عمار ولا أبو مسعود ولا غيرهم ممن انتقد أحاديث في الصحيحين فبان بهذا صحة قول الجماعة وشذوذ قول الباجي ثم إذا لم يكن للحديث أصل عن الأعرج فإن له أصلا عن أبي هريرة كما سيأتي

2/ الشبهة الثانية أن سعدا لم يتابع عليه من طريق صحيح مع ترك الناس العمل به ولا سيما أهل المدينة ولو كان مما يحتج به لتلقي بالعمل به من جميع أهل المدينة أو بعضهم إذ هو من حديثها

أقول: الحديث إذا صح عن النبي فهو حجة بنفسه ولا يحتاج إلى عمل الناس به نعم ترك الناس العمل ببعض الأحاديث قد يكون دليلا على أن الحديث منسوخ أو فيه علة لم تظهر لكن شرط ذلك أن يثبت حقا أن الناس لم يعملوا به وهذا كالنادر لكن هذا الحديث الذي نحن بصدده ليس من واجبات الديانة بل هو من السنن وما زالت السنن في نقص وإدبار وتأمل قول الزهري دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك فقال لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت

ثم من أين للباجي أن أهل المدينة كلهم تركوه فضلا عن كل الناس فلعل هذا مبلغ علمه وعدم العلم كما يقال ليس علما بالعدم فإن هذا الحديث معمول به حتى في المدينة خلافا لما زعمه الباجي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير