تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمقصود أن (جبريل) سيكون معناه معنى عربياً واضحاً، فإن أخذ من مادة (جبر) أو كان من لوازم هذه المادة وكان بمعنى مادة قوي، فكلاهما عربي، والنسب إلى أسماء الله في التسمية مما هو ظاهر في العربية كعبد الله، وعبد الرحمن، بل قد يكون مثل جاد الحق، وحبيب الله، وأمثالهما، إذ المقصود التنبه هنا على أن هذه الإضافة إذا كانت كما ذكرت، فليست بغريبة من جهة العربية.

ثانيًا: من أسعد هذه اللغات باللغة الأم؟

إذا تأملنا لغة عربية التنزيل، واللغات الأخرى بكل تجرد، وبصدق في البحث عن الحقيقة، فإننا سنجد في لغة عربية التنزيل اللغة الكاملة من كل الجهات من حفظها وتدوينها وسعتها في مفرداتها واشتقاق معانيه وغير ذلك مما لا ينكره إلا مجادل، وهذه اللغة ليس لها مثيل في جميع اللغات التي يُزعم أن العربية قد أخذت منها، لا الفارسية ولا العبرية ولا غيرهما.

وإذا عدنا إلى تصوُّر أول الأمر، فإننا سنجد أول البشر أبانا آدم عليه السلام، ولا شك أنه كان يتحدث لغة واحدة علمه الله إياها وألهمه الكلام بها؛ إذ ذلك أول الأمر بلا ريب، ويشهد لذلك الحديث السابق (لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله، فحمد الله بإذن الله، فقال له ربه: يرحمك ربك. يا آدم، اذهب إلى أولئك الملائكة ـ إلى ملأ منهم جلوس ـ فسلِّم عليهم، فقال: السلام عليكم فقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال: هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم).

وهذا الحديث يدل على إلهام أبينا آدم اللغة الأولى التي تكلم بها، وهي اللغة التي يتكلم بها الملائكة، فقد ردوا عليه بنفس ما قال لهم، وهي لغة لا تكاد تخطئ العربية، وقد سبقت الإشارة إلى بقاء هذه التحية إلى يومنا هذا.

ولما نزل أبونا آدم عليه السلام إلى الأرض نزل بهذه اللغة، وتوارثها بنوه من بعده، واستمرت هذه اللغة في أجيالٍ من أبنائه حتى وصلت إلى العرب سليمة نقية، لم يشبها ما شاب غيرها من اللغات التي كانت منبثقة عنها، والله أعلم.

وكان مما يظهر في مميزات هذه اللغة الأم ظاهرة الاشتقاق بشقيه: الأكبر والأصغر، واستمرت هذه الظاهرة في لغاتٍ بادت وانتهت؛ كالآرامية والبابلية وغيرها، وبقية ظاهرة الاشتقاق في لغة عربية التنزيل في أنصع صورة من صور النماء والزيادة المتدفقة من أصول الألفاظ.

إن نظرة سريعة إلى المعجم العربي تدلُّ على هذه الظاهرة بلا ريب، فانظر هذه الأحرف الثلاثية (ق ب ر) كم يتولد منها في الاشتقاق الأكبر: (قبر، قرب، ربق، رقب، برق، بقر)؟

ثم انظر كم يتولد من الاشتقاق الأصغر في كل كلمة من هذه الكلمات الستِّ؟

ومما سيتولد في الاشتقاق الأصغر من مادة (قبر): قَبَرَ، يَقْبُرُ قَبْرًا، مُقْبِرٌ، قابر، أقبر، إقبارًا، يُقبر .... إلخ من التصريفات الاشتقاقية.

وقل هذا في غير هذه اللفظة، وانظرْ كَمْ من الألفاظ التي ستكون بين يديك؟ إنها لغة الاشتقاق، تلك اللغة الحية المتنامية التي لم تنقطع منذ أن نطق بها آدم عليه السلام.

وكثير من الألفاظ التي ادُّعي أن عربية التنزيل أخذتها من لغات سابقة لها، لا تعدو أن تكون فيهما معًا؛ لأنهما من أصل واحد، لكن إحدى اللهجتين اندثرت وبقيت الأخرى تشق طريقها في مسار التاريخ حتى نزل القرآن بها، وحافظ عليها كما كانت تنطق في ذلك العصر، حتى إنك لو استمعت لخطبة قُس بن ساعدة وخطبة أحد الخطباء المعاصرين لما كان الأمر عليك مشكلاً لا في المنطق ولا في فهم معاني الكلام، وذلك ما لا تجده في لغة أخرى من اللغات المعاصرة.

وإذا نظرت إلى بعض أسماء الأنبياء الذين جاءوا بعد آدم عليه السلام، أو ما تعلق بهم، فإنك ستجد العربية تنضح منها، وأذكر على سبيل المثال الأسماء الآتية:

1 ـ يقول الله تعالى في ذكر أصنام قوم نوح: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح: 23].

تأمَّل أسماء هذه الأصنام، ألا تظهر لك عربيتها واضحة بينة؟

أفي عروبة هذه الأسماء شكُّ؟ أكان قوم نوح سيسمون أصنامهم ـ التي هي أسماء رجال صالحين كانوا قبلهم ـ بغير لغتهم؟

ألا يدلك هذا على أنَّ قوم نوح كانوا يتكلمون العربية؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير