تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]، فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى [وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] (سورة النحل: 116،117)، فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه+. ومن الأدلة على عظم شأن الفتوى قوله تعالى: [قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ .. ] (سورة الأعراف: 33). وقوله [قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .. ] (سورة يونس: 59، 60). وما رواه البخاري في صحيحه عن أبي الأسود عن عروة قال حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول سمعت النبي يقول:=إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ+. وفي رواية لمسلم:=إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا+.

ولقد كان السلف يتهيبون الفتوى أشد الهيبة، ويتريثون في أمرها، وربما يتوقفون في بعض الأحيان عن القول فيها. فكان الخلفاء الراشدون ـ رضوان الله عليهم ـ يجمعون علماء الصحابة وفضلاءهم عندما تعرض لهم بعض المسائل التي لا يجدون لها حلا عندهم، فيستشيرونهم، ويستنيرون برأيهم، فكان هذا هو الإجماع الذي كانوا عليه في العصر الأول. وهكذا دأب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، فقد كان الكثير منهم ـ على الرغم مما أوتوا من علم وبصيرة وطهارة قلوب ـ إلا أن أحدهم كان لا يجيب عن المسألة حتى يأخذ رأي صاحبه، وكيف لا، وقد كان النبي يُسأل في بعض الأحيان فلا يجيب حتى يأتيه جبريل بالوحي؟. وفي تلك العصور المتأخرة بدأ يدب في الأمة مرض فتاك، وداء عضال، من خروج البعض ممن ينتسبون إلى العلم وأهله ليفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وصدق رسولنا حين قال:=إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا+ (رواه البخاري). حتى اختلط الحابل بالنابل، واختلطت الأمور على الناس، فما برحوا يتحيرون مما يسمعون من الاختلافات حول المسألة الواحدة، وهنا لابد من النظر في تلك القضية الهامة والخطيرة حتى لا نوقع المسلمين في حرج هم في غنى عنه، بل هم في حاجة إلى الانضباط في الفتوى لكي يطمئنوا ويسارعوا إلى تطبيق ما يسمعونه، وهذا يحتاج من العلماء العاملين، والمجامع الفقهية على مستوى العالم الإسلامي التعاون في هذا المجال، وسد باب الفتوى على الأفراد الذين لا يتورعون في هذا الباب لكي تسلم الأمة من التفرق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير