يروي تلاميذ الشيخ "بداه" أنه أخذ على الرئيس الأسبق المختار ولد داداه العهد على أنه يتركه يصدع بما يرى أنه الحق، وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت خطب الشيخ تغيظ بعض أطراف الحكم آنذاك، وقد استدعي أكثر من مرة للمساءلة من قبل القائمين على التوجيه الإسلامي وكان رده دائماً "إما أن تتركوني أقول ما أراني الله أو أترك لكم المنبر".
وحينما اشتعلت الحرب الطاحنة بين الجيش الموريتاني والجيش الصحراوي، اعتبرها الشيخ فتنة بين المسلمين، وعلى عكس بعض الفقهاء الذين قالوا إن قتلى الجيش الموريتاني شهداء لايُغسّلون ولا يُكفّنون، كان الشيخ "بداه" يقول: "إن الحزم عكس ذلك غسلوهم وكفنوهم وصلوا عليهم"، على الرغم من أن عدداً كبيراً من الفقهاء أفتوا بعكس ماذهب إليه "بداه"، ولكن بعضهم -سامحه الله- عاد وأفتى بأن الحرب فتنة بين المسلمين، لكن ذلك كان بعد سقوط ولد داداه، وسعي العسكر إلى إنهاء الحرب مع الصحراويين.
وقفة ضد العلمانية
ويتذكر الجميع مواقفه الصارمة ضد محاولات الأنظمة السياسية، وبعض النخب الثقافية والسياسية في البلد؛ لتمرير بعض المراسيم والنظم التي رأى فيها الشيخ "بداه" خطراً على الهوية الثقافية للبلد.
ومن الأمثلة في ذلك وقوفه الصارم ضد دستور 1982 المخالف للشريعة الإسلامية؛ إذ كان العلامة ضمن عدد من الأئمة والعلماء وقادة التيار الإسلامي حينها حجر العثرة الأبرز التي أدت إلى سقوط الدستور المذكور، الذي يوصف بأنه دستور علماني جداً.
وألّف الشيخ "بداه" كتاباً صدّ هجوم القوانين الوضعية، الذي مثل صفعة كبيرة للنظام السياسي الحاكم آنذاك.
و عندما استنكر الإمام مجزرة النظام السوري ضد الإخوان المسلمين في حماه، احتج السفير السوري في موريتانيا على خطبة الإمام "بداه"، ليقوم وزير الإعلام آنذاك بعقد اجتماع مصغر عاجل ضم رئيس الدولة المقدم محمد خونه ولد هيداله ووزير الإعلام نفسه والإمام "بداه"، وأمام احتجاج الرئيس ووزير إعلامه على الخطبة واعتبارها خروجاً على سياسة الدولة، غضب الشيخ بداه، وخاطب ولد هيدالة قائلاً: "أنا لا أخاف منك، ولامن غيرك، ولا أبصر أي شيء مما تستند إليه، وإذا كنت ستتحكم فيما أقول، وما أرى فخذ المنبر، ودعني أذهب لشأني". وخرج الشيخ مغضباً.
ويروي مقربون من الشيخ كيف رد على رسالة رئيس الدولة حينئذ تحذره من "خطر الإسلاميين على البلاد" رد الشيخ "بداه" قائلاً: "إن الإسلاميين خير للبلاد من الشيوعيين والبعثيين، وسيرى رئيس الدولة مصداق ذلك".
وكما رفض الشيخ البصيري الإفتاء بأن قتلى حرب الصحراء شهداء، رفض أيضاً الإفتاء بأن منفذي "الكوماندوز" 16/مارس 1981 محاربون، رافضاً إصدار فتوى عامة بشأن المحاربين، وينقل بعض المقربين من الشيخ حواره الساخن مع رئيس اللجنة العسكرية حينئذ الذي غضب من موقف الشيخ فرد عليه "بداه": "لن أفتي بما تريدون .. العسكر مثل كلاب الفلاة، كلما اجتمع ثلاثة أكلوا واحداً منهم، ولن أفتي فتوى عامة حتى يأتي كل متغلب فيقتل صاحبه، ويقول إنه محارب".
ضد التطبيع والديكتاتورية
بعد الإطاحة بولد هيدالة، ووأد مشروع تطبيق الشريعة وظهور نظام سياسي جديد، لم يخف الشيخ "بداه" عدم ارتياحه للنظام الجديد وخصوصا الإشارات التي بدأ ولد الطايع يصدرها تجاه قضايا اعتبرها الشيخ مركزية في صون هوية البلد وسمْته العام، ولم يكن الشيخ يخفي استياءه مما يعتبره وجهاً من أوجه العلمانية الصارخة في البلاد، تمثله خطوات عديدة لولد الطايع، وعلى الرغم من ذلك حافظ الشيخ على وسطيته وعلاقته الأبوية بالجميع، رافضاً أن يكون طرفاً في أي صراع، أو أن يمرر النظام السياسي مواقفه من خلال منبر الشيخ أو مواقفه.
ووقف الشيخ بشكل صارم ضد فتنة 1989، وأكد موقف الإسلام من الاقتتال بين المسلمين، داعياً إلى التوحد ونبذ الخلاف، وكان لخطبه دور كبير في تحجيم الخسائر الكبيرة التي كادت أن تؤدي إلى مقتلة عظيمة بين شعبين مسلمين هما السنغال وموريتانيا.
¥