وغير ذَلِكَ من الفوائد الحديثية والنكت العلمية التِي يقنصها طَالِب العِلْم الشرعي بَيْنَ طيات الموسوعة.
إن هَذَا العمل عمل علمي تأريخي نشأ عَنْ دراسة وبحث عميق. وَقَدْ بدأ تفكيري بِهِ قديماً منذ ما يزيد عَلَى عقدين من الزمان، وذلك لأن الْحَدِيْث النبوي من أشرف العلوم وأجلها بَلْ هُوَ أجلها عَلَى الإطلاق بَعْدَ العِلْم بالقرآن الكريم الَّذِي هُوَ أصل الدين، ومنبع الطريق المستقيم ومما لا خلاف فِيْهِ أن الْحَدِيْث النبوي لَمْ يدون تدويناً رسمياً في عهد الرَّسُوْل r ولا في عهد الخلفاء الراشدين لذا فَقَدْ لقي من السلف والخلف عنايةً كبيرةً وجهداً متميزاً كي لا ينضاف إلى قَوْل الرَّسُوْل r ما لَيْسَ مِنْهُ، لِذَلِكَ نشأ بجانب علم الْحَدِيْث روايةً علمٌ آخر يخدمه وَهُوَ ما أطلق عَلَيْهِ اسم: علم الْحَدِيْث درايةً، وهذا الأخير تندرج تحته علوم كثيرة، ومن أبرز تِلْكَ العلوم علم العلل، وهذا الفرع من فروع علم الْحَدِيْث جليل المقدار؛ لأنَّهُ كالميزان في رد أو قبول الأخبار والآثار، ومعرفة هَذَا النَّوْع من أدق فنون علم الْحَدِيْث، وأكثرها تشعباً. وكتب الْحَدِيْث الَّتِي تشمل متون الأحاديث النبوية كثيرة متشعبة، وَكَذَلِكَ كَتَبَ العلل. وكلا النوعين لَيْسَ لهما – بَلْ ولا لكل واحد مِنْهُمَا – مصنف مستقل تجمع فِيْهِ جَمِيْع دقائق ذَلِكَ الموضوع، بل هي كتب لم تستوعب جميع ما يحيطه هذا العلم، أو كتب وأبحاث في بعض جوانب الموضوع. ثم إنَّ هذه الكتب في الغالب قد اقتصرت على دراسة الموضوع من ناحية فن الحديث دون ربطه بعلم الفقه ودون بيان أثر تلك الأحاديث في إثراء الفقه الإسلامي.
كل ذلك دفعني إلى التفكير – ومنذ سنوات – إلى تأليف موسوعة حديثية تضم جميع السنة النبوية، وتقربها للأمة، مع بيان عللها وشيء من فقهها. وربما يكون
هذا العمل بمثابة جمع القرآن من الصحاف والرِّقاع والجلود والعظام في عهد الخليفة
أبي بكر t ومن ثم نسخت عدة نسخ عن تلك النسخة ووزعت إلى الأمصار في عهد الخليفة عثمان بن عفان t .
أما السنة النبوية فلم تدون تدويناً شاملاً يضم جميع ما فِيْهَا، وقد أراد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t أن يصنع ذلك، ولكن الأمر لم يحصل لحاجة في نفسه، وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز أمر هَذَا الخليفة العادل بتدوين السنة، وأرسل إلى الأمصار وأمر بكتابة الحديث.
وابتدأ التدوين الرسمي آنذاك، لكن كما سبق ذكره أن السنة برمتها لم تدون تدويناً كاملاً بكتاب مستقل تجمع فيه جميع الأحاديث النبوية.
وفكرة موسوعة: " المسند المحيط المعلل " راودتني منذ أكثر من عشرين عاماً حتى بدت الفكرة بادية واضحة جلية الأمر.
وهذا العمل لم أكن أول من فكر به، بل هو حلم طالما راود أهل العِلْم والمختصين. وهو مشروع يضم السنة النبوية بين دفتيه، بعد تهذيبها وترتيبها، وتذليل صعابها، وشرح غريبها، وتوضيح معانيها، وبيان عللها. ولربما زاد هذا الحلم على ألف سنة، فقد قال الخطيب البغدادي (ت 463 ه): ((يُستَحبُ أنْ يُصَنَّفَ المُسنَدُ مُعللاً؛ فإنَّ مَعْرِفَة العلل أجلُ أنواع الْحَدِيْث)). (الجامع 2/ 294).
ولكن هذا الحلم ما زال خيالاً يراود أذهان المختصين ولم يصبح حقيقة وحتى يوم الناس هذا، إنما هي محاولات أمست دون إيجاد هذا العمل حتى قال الأزهري: ((لم يتممْ مُسنَدٌ مُعللٌ قط)) (شرح التبصرة 2/ 245).
ولأهمية هذا العمل، وحاجة الأمة إليه شمرنا عن ساعد الجد للعمل بهذا المشروع الضخم الذي قطعنا كثيراً من الأعمال من أجله؛ فنحن نعمل ليل نهار على إتمامه وإنجازه ونبذل فيه ما بوسعنا؛ بَلْ نبذل من أجله كُلّ ما أنعم الله بِهِ علينا من جهدٍ ومالٍ ووقت.
عَلَى أن هَذَا العمل بحرٌ زاخرةٌ أمواجه، وبر وعرةٌ فجاجه لا يكاد الخاطر يجمع أشتاته ولا يقوم الذكر بحفظ أفراده، فإنها كثيرة العدد متشعبة الطرق مختلفة الروايات، ونحن نبذل في جمعها وترتيبها الوسع ونستعين بتوفيق الله تَعَالَى ومعونته في تأليفه وتهذيبه وتسهيله وتقريبه بَيْنَ يدي الأمة.
¥