[مزالق في التحقيق - الحلقة السادسة]
ـ[محمد الأمين فضيل]ــــــــ[12 - 12 - 02, 12:34 م]ـ
[مزالق في التحقيق - الحلقة السادسة]
الْمَزْلَقُ الثالث عشر: الْمُبَاَلغَةُ في تَطْبِيقِ قواعدِ التَّحْقِيقِ
بقلم/ عبدالله بن محمد الشمراني
وأعني بهذا المزلق: تطبيق القواعد المنهجية لتحقيق النصوص، بصورة تخرج فيها عن الحد المعقول.
فكلنا يعلم بأن القواعد والضوابط في تحقيق النصوص ما هي إلا من باب الاجتهاد، في سبيل توحيد العمل في التحقيق، ولا أدل على ذلك من وجود أكثر من منهج، وبعض القواعد في هذه المناهج متعارضة، فكل مشرف يدعو إلى منهجٍ يتبناه، ويلزم الطلاب به.
والذي يعنيني في هذا المزلق أن المحقِّق إذا اختار منهجاً ليعمل على تحقيق النصوص من خلاله، فلا يتصور ان قواعد هذا المنهج محل تسليم، ولا تقبل النقاش.
وإذا طالعت بعض الكتب المحقَّقة وجدت نماذج للمبالغة في تطبيق هذه القواعد، إلى درجة يضحك منها القارئ.
أمثلة هذا المزلق:
(1) المبالغة في ترجمة الأعلام الواردين في الكتاب، عند أول موضع يردون فيه؛ ومنهم: العشرة المبشرون بالجنة، ومشاهير الصحابة، والأئمة الأربعة، وغيرهم ممن يعرفهم العوام قبل طلاب العلم، والباحثين.
بل وجدت من عرَّف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند أول موضع مر فيه.
ويحتجون ب: أن المنهج الصحيح يقتضي ترجمة جميع الأعلام، عند أول موضع يردون فيه.
ثم ماذا عساه ان يقول عن هؤلاء في سطرين، أو ثلاثة؟
مثال ذلك:
ومن أغرب ما وقفت عليه محقِّق «الوجيز في ذكر المجاز والمجيز» للحافظ السِّلَفي.
فقد عرَّف بالمصنِّف في مقدمة التحقيق، مثله مثل كل من يحقق مخطوطا، فإنه يعرف بالمؤلف في المقدمة.
وعندما بدأ في الكتاب المحقَّق وجد في أول المخطوط:
(قال الإمام الحافظ .. السِّلَفي .. ) فوضع عند السلفيّ حاشية قال فيها: (انظر ترجمته في مقدمة التحقيق).
وهذا التعليق حشو لا فائدة منه، والقارئ يعرف ان هذا السِّلفي هو المصنف الذي عرَّفْتَ به في أوّل الكتاب. وذكره في أول الكتاب من قِبل النُّساخ، كما هي عادتهم في نسخ الكتب.
وفعل المحقِّق هذا، لأن منهج التحقيق يقتضي التعريف بالأعلام الواردين في الكتاب في أول موضع يردون فيه. ومثله ما فعله محقق «المشُوف المعلم» لأبي البقاء العُكبَري حيث عرَّف بالمؤلف، وتكلم عن نسبته «العُكْبَرَي» في مقدمة التحقيق، وأعاد التعريف بهذه النسبة في أول الكتاب، لأن هذا أول موضع تمر فيه هذه الكلمة.
ومن جهة أخرى فهناك بعض الألقاب العلمية مشتركة، ولكن ورودها في بعض الأماكن يُخصصها بشخصية علمية معينة؛ ومن ذلك ورود لقب «شيخ الإسلام» في كتب هؤلاء الأئمة: «ابن القيم» و «ابن كثير»، و «الذهبي»، و «ابن رجب» رحمهم الله.
إنه ينصرف بدون أدنى تأمل أو شك إلى: أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية رحمه الله.
ومع ذلك وجدت بعض المحققين لكتب هؤلاء الأئمة، إذا ورد لفظ «شيخ الإسلام»، يعرفونه في الهامش، وأنه «ابن تيمية»، وفي أكثر من موضع من الكتاب الواحد. وهذا حشو لا فائدة منه، وتكلفٌ في تتبع الأعلام، والتعريف بهم.
(2) المبالغة في التعريف بالمدن، ومنها مشاهير المدن الإسلامية، ك: الكوفة والقاهرة، والقيروان.
(3) المبالغة في التعريف بالمصطلحات المشهورة والمتداولة، وشرح كل ما يراه المحقق غريباً.
مثال ذلك:
(أ) في إحدى طبعات: «معارج القبول» وجدت ان المحققيْن وفقهما الله وضعا حواشي للتعريف بما لا يخفى على طالب العلم.
فوضعا حاشية على قوله: «وأشهد أن لا إله إلا الله»، ليعرفا بالشهادة.
ووضعا حاشية على قوله: «وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً»، ليعرفا ب «محمد»، وانه مشتق من اسمه تعالى «المحمود».
ووضعا حاشية على قوله: «وعلى آله وصحبه»، ليعرفا معنى «آله»، وعلى من تُطلق.
ووضعا حاشية على قوله: (أما بعد .. )؛ ليعرفا معناها، ومتى تأتي، ولماذا؟
وترجما في الكتاب لبعض الأعلام، ومنهم: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم.
(ب) وحصل مثل هذا في: «تيسير الوصول إلى منهاج الوصول»؛ لابن إمام الكاملية، حيث إن المحقق غفر الله له وضع حواشي للتعريف بما لا يخفى على طالب العلم وخاصة ان كتابه في تخصص دقيق.
فوجدته وضع حاشية على قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم»؛ ليعلل الابتداء بها، مع ذكر الأدلة.
¥