[تبرئة أبي حاتم عما جاء في كتاب الزهد]
ـ[أبو أحمد الجزائري الأثري]ــــــــ[25 - 03 - 03, 12:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا تزال أخبار التراث المؤلمة تتوالى، يشتكي نشاط العابثين وتقاعس أهله الكسالى، آه لها من صيحة، سبقتها صيحات، فمنها ردود شيخنا الألباني رحمه الله فيما خطَّه في المقدمات، ومنها شكاوى أخينا محمد عبد الله آل شاكر في كتابه "أوقفوا هذا العبث في التراث"، والشريف حاتم العوني أمدهما الله بتوفيقه، وغيرهم، إلا أن الصرخات أمام جحافل المتسلطين كأنها في واد، أو كنفخة في رماد!
وإن غالب العابثين على نوعين:
أحدهما: المتأكل بالتراث، والمتخذ إياه حرفة وتجارة، لا يهمه العلم ولا أهله، فالتراث عنده (سوق)، ويجد من حثالة الناشرين من يشتري عمله الحثالة، وتخصص أناس وكتبيون معروفون بهذا الأمر.
ثانيهما: المتطاولون الجهلة، من المبتدئين الأغمار، الذين يجترئون على التحقيق ولما يريشوا بعد، فتجد أحدهم قرأ كتابا أو كتابين في علم الحديث، ووقع في يده مصورة مخطوط مسكين، فأخذته النشوة والحماس، ونسخ المخطوط المتن على عجل يقتضيه جهله، وبعد أن يرهق المتن بتحريفاته وعُجمته وغرائب تعليقاته: يُجهز عليه بتخريج أحاديثه تخريجا لم يسمع به إنس قبله ولا جان، ثم يرميه قتيلا لأقرب ناشر مغمور، وأحسن الله عزاءكم في الكتاب.
والمشكلة أن هذا الصنف يظن عمله خدمةً للتراث! ويظن نفسه بهذا التخريج قد زاحم ابن حجر والألباني (إن لم يحتقر عملهما)، ووصل الغاية القصوى في العلم، فقد أصبح (محققا)! وأسدى للأمة معروفا يُخلده التاريخ!
لا أريد الاستطراد في المقدمة أكثر، إذ كل مشتغل بالتراث ومعتنٍ به يعرف الكثير من الأمثلة على ما سبق وزيادة.
لكنني أكشف اليوم عن عابث جديد، ومجترئ شديد، دون ذكر اسمه، لعل أن يكون مقالي هذا رادعا له ولأمثاله من المتعالمين، وحاثا لذوي الأمر والاختصاص على كف أيدي أولئك عن العبث ..
فقد صدر مؤخرا كتاب بعنوان (الزهد)، وكتب عليه: تأليف الحافظ أبي حاتم الرازي، وتحقيق (لا أرغب في ذكر اسمه، أصلحه الله)، ونشر دار أطلس للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى 1421هـ / 2000 م
ونظرا لاهتمامي بمؤلفه الحافظ أبي حاتم الرازي وأمثاله من أئمة الحديث والعلل المتقدمين فقد سارعتُ لاقتنائه وقراءته، وكعادتي في المخطوطات المحققة فإنني أقارن بين نماذج المخطوط التي يوردها المحقق مع النص الذي أمامي، ولا سيما إذا كان المحقق جديدا على الساحة، حتى أعرف إتقانه من عدمه، وأدعو له أو عليه!
فإذا بي أجد في الصفحة الأولى من المخطوط عدة سقوط، وتغيير متعمد للمتن، وتحريف في الضبط!
فقلت في نفسي: إذا كان هذا في البداية والنشاط موجود، فكيف بالنهاية والفتور معهود؟!
ثم قلَّبتُ النظر في المقدمة، ولفت نظري قول المحقق (ص4): "وقد كان للشيخ الفاضل صلاح الدين بن أحمد الإدلبي جزاه الله خيرا قد نشّط همتي إلى مثل هذا العمل، وذلك بحثّه المتواصل لي على البَدء بإخراج المخطوطات وتحقيقها بعد قراءتي عليه لكتاب نزهة النظر لابن حجر .. "!!!
فقلت: وا إسلاماه! هل يتفوه بهذا عاقل! إن القلم ليعجز عن تصوير المأساة المتجسدة بهذه العبارات.
حثَّه مَن؟
صلاح الدين الإدلبي، صاحب الرسائل في محاربة السنة، والتي نادى فيها على نفسه بالجهل، ولا سيما رسالته "كشف المعلول"، التي رد فيها على شيخنا الألباني رحمه الله، بكلام ليس من العلم ولا الأدب في شيء، بناه على منهج خاص به، لا هو من منهج المتقدمين ولا المتأخرين ولا الكلاميين ولا الفلاسفة ولا الأدباء!
حثه على ماذا؟
على إخراج المخطوطات المسكينة حثا متواصلا، على أن الإدلبي ذاته ليس له في تحقيق المخطوطات أثر يذكر!
حثه لماذا؟
لأنه قرأ على فضيلته نزهة النظر، أصغر شروح المصطلح! فاستحق بذلك الحث المتواصل على إخراج المخطوطات صغيرها وكبيرها، وهذا جهل بالغ من الحاث والمحثوث! حيث ظنا أن قراءة مثل هذا الكتاب تؤهل للتصدي لنشر تراث أهل العلم، ومكابدة مشاقِّه، ومزاحمة أهل المعرفة فيه.
المهم، بعد قراءتي لهذه العبارة الفاضحة مع المقارنة لنموذج المخطوط عرفتُ أن بين يديَّ كتابا عُبِث فيه، وأن الجاني من النوع الثاني من العابثين، وهم المتعالمون المتطفلون على الشأن، وحثَّني ذلك على إعادة قراءة المخطوط والمقدمة، فإذا بالأمر أهول مما ظننت! فأضع بين يدي القارئ الكريم الملاحظات ليستدركها على نسخته، ولأدفع عملا مشوها أُلصق زورا بسيد الحفاظ أبي حاتم الرازي، وأحتسب عند الله الأجر والوقت، ذاك الوقت الذي يفترض أن يكون المحقق قد كفانا إياه! وأستسمح القارئ على العبارات القاسية، ولكن الغيرة على العلم ضد المتسلطين عليه من أدعيائه تقتضي ذلك، والله المستعان.
وأقسّم الملاحظات إلى قسمين رئيسيين:
1) ما يتعلق بالمتن: السقوط والتحريفات والتغييرات المتعمدة من المحقق في المتن.
2) ما يتعلق بالمقدمة: نسبة الكتاب لأبي حاتم الرازي، الادعاءات العلمية المتهورة في مقدمة المحقق وتعليقاته، مثل زعمه أن الجزء في علل أحاديث وآثار الزهد! ومزالق أخرى.
وأذكر إخواني من أهل الحديث بالهجمة الشرسة على السنة من قبل أعدائها الكوثريين، حيث اتجهوا إلى تراث أهل الحديث وادعوا بهم وصلا، فاعتمدوا خطة مكشوفة، وهي إخراج كتب السلف الحديثية، ليس حبا بها ولا بأهلها! كلا! بل لإفسادها بتعليقاتهم وسمومهم المبثوثة تحت ستار التحقيق! ودونكم كتب أبي غدة وتلميذه عوامة.
ولذلك لا أستغرب قيام واحد من متمشيخة هذه المدرسة من أمثال الإدلبي بالتفريخ السريع للمحققين، وذلك بتلقين الغلمان والنكرات أصغر شروح المصطلح (فقط!) ليزجّوا بهم معترك تحقيق التراث مباشرة! وحثهم حثا متواصلا على إخراج المخطوطات كيفما اتفق، والمهم حجز الكتاب وسبق المكتبات، وإلى الله المشتكى.
ولو كان سهما واحدا لاتَّقَيتُه ---- ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالثُ!
¥