ثم أخرج الكتاب كاملاً بعد سنوات عدة من اخراج المجلد الأول، وتخلل هذه السنوات خروج عدة كتب له.
وقد خرجت لنا كتب كثيرة بهذا الشكل، وأحسبها من هذا الباب والله أعلم، منها:
ثلاثة مجلدات من: «الخلافيات» للبيهقي، ثم خرج للمحقق الفاضل - وفقه الله - عدة كتب «بل عدة موسوعات» ولم نَر تتمة هذا العمل، فليت شعري كيف حال ناشره.
وبهذه الطريقة استطاع هذا الباحث حجز هذه المعلمة الحديثية الفقهية، ووقفها على نفسها.
وقد خرج المجلد الأول من الكتب الآتية:
«شرح مشكل الآثار» للطحاوي و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدين، و «السن الصغرى» للبيهقي. وبعد مضي عدة سنوات خرج كامل الكتاب.
وخرج المجلد الأول من: «مصنف ابن أبي شيبة» بتحقيق فاضلين، ولم نر بقية الكتاب، وبلغني أنهما انتهيا منه. وخرج مجلدان من: «صحيح ابن حيان» وبعد سنوات خرجت المجموعة الأولى من «1» إلى «7»، وأعقبتها المجموعة الثانية من الكتاب.
وخرج مجلدان من: «تفسير ابن كثير» بتحقيق الشيخ الحويني، ولم نرَ الباقي وبلغنا أن البقية ستتجاوز العشرين مجلداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وخرج مجلدان من: «مجمع الزوائد» بتحقيق الشيخ الدراني، ثم خرج للمحقق الفاضل أكثر من كتاب، ولم نرَ تتمة «مجمع الزوائد».
أخي القارئ:
إن كان المقصد من اخراج المجلد الأول المبادرة بطبع كل ما ينتهي منه المحقق أولاً بأول فلماذا لا يخرج الثاني، ثم الثالث، وهكذا حتى ينتهي الكتاب؟
إن هذا لا يحدث، بل يكون ذلك مقتصراً على الأول «غالباً» وبعد سنوات يخرج الكتاب كاملاً، يتخلل ذلك خروج بعض الكتب للمحقق نفسه، مما يؤكد توقفه عن العمل في هذا الكتاب الكبير.
وغالباً يُلزم طالب العلم بشراء الكتاب كاملاً عند خروجه،، ولا يعتدون بما اشتراه من المجلد الأول منذ سنوات، وقد حصل هذا في أكثر من كتاب.
4 - أن يعلن عن أكثر من كتاب في وقت واحد، وهي طريقة مشهورة، وانظر ما ذكرته تحت رقم «2».
5 - الاعلان عن ذلك في المجالس العامة، والمنتديات العلمية، فيشيع الخبر عند المهتمين بالموضوع، فيصرف النظر عن هذا الكتاب كل من عزم على العمل عليه، حتى لا يتكرر الجهد.
وأعرف أحد الباحثين أعلن منذ سنوات أنه يحقق كتاباً صغيراً في العقيدة، ولم نرَ شيئاً حتى الآن، ثم عزم بعض الأفاضل على تحقيق هذا الكتاب، ولكن تركوه احتراماً لمن أعلن عنه، وبعداً عن تكرار الجهود، ثم تجرأ أحدهم وقام بتحقيقه، فلما علم صاحب الإعلان أن فلاناً حقق الكتاب، ودفعه للطبع، وقع في نفسه، وغضب.
فتعجبت! وقلت في نفسي: غريب أمر هذا المحقق، فلا هو أخرج الكتاب، ولا يريد أحداً أن يخرجه، فتذكرت حينها المرأة التي دخلت .. في هرة لها ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها ترمرم من خشاش الأرض.
فهل يرضى هذا المحقق أن يظل الكتاب حبيساً في مكتبه، حتى يتكرّم وقته فيسمح له بإكمال تحقيقه.
حكم هذا المزلق:
إن مبنى هذا المزلق على: الكذب، والتدليس، والخداع، والاحتكار، وهذا المزلق يفضي إلى حرمان الباحثين من الاسهام في خدمة هذا الدين.
وما في هذه الأمور من مفاسد يغني عن اطالة الكلام.
في جعبتي الكثير من المعلمات الدينية الكبرى سواء الحديثية، أو الفقهية وهي بحاجة إلى تحقيق، إما لأنها طبعت طبعة قديمة وهي بحاجة إلى إعادة تحقيق، وإما أنها لا تزال مخطوطة ولم تطبع بعد. ولكن تواتر عند الناس أن هذه الكتب تحت العمل عند فلان من الباحثين، وهكذا يظل طلاب العلم بين مرارة الاعتماد على النسخة الرديئة، وبين مرارة الانتظار الممل لما تم الاعلان عنه.
كلمة إنصاف:
لا أعني بكلامي هذا كل من أعلن عن كتاب، بل أخص بعضهم، وما تحدثت إلا عن واقع عايشته، وعرفته وأعلم بعض أصحاب هذه الاعلانات وهم أصحاب حق، وعلم، ومبدأ، وهم يعملون بكل جد في تحقيق ما أعلنوا عنه، فأسأل الله لي ولهم التوفيق والسداد.
المزلق الخامس: ظاهرة معامل التحقيق:
وأعني بذلك: أن يقوم أحد الباحثين بتأسيس مكتبة كبيرة يوظف فيها جماعة من الباحثين بتخصصات مختلفة، وتحتوي هذه المكتبة على عدة أقسام: قسم للنسخ والمقابلة، وقسم للتعليق العلمي «العقدي، والحديثي، والفقهي، والتاريخي والأدبي» وقسم للفهرسة، وقسم للصف والطبع، وقسم للمراجعة والتصحيح اللغوي.
فإذا اكتملت المكتبة بهذا الوصف سُميت: «معمل تحقيق» (2)
¥