وأختم هذا بما نشر من مقال حول الكتاب في جريدة الجزيرة يوم الخميس 4 من شهر شعبان 1423 هـ، 10 من أكتوبر " تشرين الأول " 2002 م، العدد 10969، وكاتب المقال: الأستاذ الفاضل المكرم إبراهيم بن عبدالله الهاجري، وهذا عنوانه:
عمل جليل في تحقيق منار السبيل
من المقرر عند العلماء وطلب العلم والوراقة أن هناك كتبا تعد من الأمهات التي لا يمكن الاستغناء عنها فتلقاها الأوساط العلمية بالقبول وتكثر حولها الشروحات والتحشيات والتعليقات ويستمر الأوهام بها عبر العصور فتعدد الطبعات والتحقيقات .... ومن هذه الأمهات كتاب " منتهى الإرادات " لأبي النجاح الفتوحي (ت 972 هـ) الذي أصبح عمدة في الفقه الحنبلي منذ تأليفه إلى اليوم وقد تعددت شروحه ومختصراته ...
ومن أهم شروحه شرح المؤلف نفسه في كتاب معونة أولي النهى بدقائق المنتهى، الذي قام بتحقيقه معالي الدكتور عبدالملك بن دهيش في اثني عشر جزءا، وطبع عدة طبعات ....
ومن أهم مختصراته كتاب " دليل الطالب لنيل المطالب " لمؤلفه الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي (ت 1033 هـ) الذي قيل فيه:
يا من يروم لفقهه في الدين نيل مطالب
اقرأ لشرح المنتهى واحفظ دليل الطالب
ومن أهم شروح هذا المختصر كتاب " منار السبيل في شرح الدليل " للشيخ إبراهيم ابن ضويان (ت 1353 هـ) وهو شرح متوسط مستوفى، رجع فيه الشارح إلى موارد مؤلفي المنتهى والدليل، يصفه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رئيس الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقا بأنه " قرن كل مسألة بدليلها وتعليلها حيث حشد الشارح في كتابه ما ينوف على ثلاثة آلاف دليل ما بين حديث نبوي وأثر صحابي وتابعي، مع وضوح العبارة وسهولة الإشارة والتنبيه على القول الصحيح في أهم المسائل الخلافية ".
ومما يدل على أهمية كتاب " منار السبيل " وعظيم نفعه أن الشيخ محمد ناصرالدين الألباني قام بتخريج الأحاديث الواردة في منار السبيل في كتابه " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " الذي طبع في ثمانية مجلدات مما أعلى القيمة العلمية لهذا الكتاب.
كتاب " منار السبيل " تميز بأسلوبه السهل الممتنع الذي يفهمه العامة وينهل منه الخاصة، ولذا أصبح من المراجع الفقهية المهمة للعلماء والقضاة والطلاب وغيرهم ومن ثم طبع عدة طبعات.
وقام عدد من المشتغلين في التحقيق بتحقيقه إلا أن هذه التحقيقات لاتخلو من النقص والتحريف والأخطاء الطباعية بل وصل الأمر إلى التصرف أحيانا في المتن وفي الشرح خلافا لما تقتضيه الأمانة العلمية.
وكان من المفرح والمفيد للمختصين وطلاب العلم أن قام الشيخ " أبوقتيبة نظر محمد الفاريابي " بتحقيق الكتاب تحقيقا حرص فيه على إتمام مبانيه بتعقب مخطوطاته ومطبوعاته تتبعا ومقارنة وتحليلا وتصحيحا مع توثيق النقول وتخريج الأحاديث والآثار في مواضعها، لاسيما ما لم يخرجه اللباني في إرواء الغليل، بهدف أن يكون أقرب لمراد المؤلف والاستفادة منه.
والشيخ أبوقتيبة ذو باع طويل في مجال تحقيق كتب التراث والغوص في مختلف المظان بحثا عن كنوزها المخبوءة، لذا فإن الطبعة الخامسة من تحقيقه هذا الكتاب التي قامت بنشرها دار طيبة بالرياض هذا العام 1423 هـ في ثلاثة مجلدات، شغلت 1390 صفحة، لبست حلة زاهية من الإخراج الفني الجميل من حيث لون الورق الذي لايتعب النظر ومن حيث جودة التجليد التي تساعد على سلامة الكتاب لكثرة رجوع طالب العلم إلى هذا الكتاب واصطحابه له في دروسه العلمية وتنقلاته، يضاف إلى ذلك رخص سعر هذه الطبعة مقارنة بطبعات أخرى مشابهة له في حجمه ومواصفاته.
ومع الحلة الزاهية التي لبستها الطبعة الخامسة من تحقيق الشيخ أبي قتيبة لكتاب منار السبيل، فقد تميزت هذه الطبعة بإشارة المحقق – وفقه الله – في المقدمة إلى نسختين نسخهما المؤلف – الشيخ ابن ضويان – بخطه، الأولى عام 1321 هـ، والثانية عام 1322 هـ، واعتمد على النسخة الأولى المنسوخة عام 1321 هـ، التي توصل إليها بعد بحث طويل، كما قام المحقق بتتبع موارد المؤلف في كتابه، وذلك عن طريق مراجعة جميع المصادر التي نقل منها المؤلف مباشرة لتوثيق النص من مصدره الأصل.
¥