• قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتابه العظيم: بيان فضل علم السلف على علم الخلف (ص/50 - 51): ((ومن ذلك - أعني محدثات العلوم - ما أحدثه فقهاء الرأي من ضوابط وقواعد عقلية وردِّ فروع الفقه إليها؛ وسواءٌ خالفت السنن أم وافقتها؛ طرداً لتلك القواعد المقرَّرة، وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة؛ لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيها.
• وهذا هو الذي أنكروه من فقهاء أهل الرأي بالحجاز والعراق، وبالغوا في ذمه وإنكاره.
• فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث إنهم يتابعون الحديث الصحيح؛ حيث كان إذا كان معمولاً به (عند الصحابة ومن بعدهم) (أو عند طائفة منهم).
• وأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به؛ لأنهم ما تركوه إلاَّ على علم أنه لا يعمل به.
• قال عمر بن عبدالعزيز: خذوا من الرأي ما وافق من كان قبلكم؛ فإنهم كانوا ألم منكم، فأما ما خالف أهل المدينة من الحديث فهذا كان مالك يرى الأخذ بعمل اهل لمدينة.
• والأكثرون أخذوا بالحديث)).
• وقال أيضاً في (ص/61): ((وقد ابتلينا بجهلةٍ من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم.
• فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدَّم من الصحابة ومن بعدهم؛ لكثرة بيانه ومقاله.
• ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين.
• وهذا يلزم منه ما قبله؛ لأنَّ هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوين أكثر قولاً ممن كان قبلهم فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله كان أعلم ممن كان أقل منهم قولاً بطريق الأولى؛ كالثوري والأوزاعي والليث وابن المبارك وطبقتهم.
• وممن قبلهم من التابعين والصحابة أيضاً؛ فإنَّ هؤلاء كلهم أقل ممن جاء بعدهم)).
• إلى أن قال في (ص/67): ((وفي زماننا يتعيَّن كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد.
• وليكن الإنسان على حذرٍ مما حدث بعدهم؛ فإنه حدث بعدهم حوادث كثير، وحدث من انتسب إلى متابعة السن والحديث، من الظاهرية ونحوهم، وهو أشد مخالفة لها؛ لشذوذه عن الأئمة وانفراده بفهم يفهمه.
• أو يأخذ ما لم يأخذ به الأئمة من قبله)).
• وقال أيضاً في (ص/70 - 71): ((فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها، والتقيِّد في ذلك بالمأثور عن الصحابة التابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك.
• والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولاً، ثم الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهُّمه ثانياً.
• وفي ذلك كفاية لمن عقل، وشغل نفسه بالعلم النافع عني واشتغل)).
• وقال رحمه الله في كتابه جامع العلوم والحكم (ص/80):
((ومن أنواع النصح لله تعالى وكتابه ورسوله - وهو مما يختص به العلماء - رد الأهواء المضلة بالكتاب والسنة على موردها، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها.
• وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء، وبيان دلالة الكتاب والسنة على ردها)).
• وقال أيضاً في (ص/93): ((وأما فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله، وما يفسره من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقه فيها وفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام، وأصول السنة، والزهد والرقائق، وغير ذلك.
• وهذا هو طريق الإمام أحمد، ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين.
• وفي معرفة هذا شغل شاغل عن التشاغل بما أحدث من الرأي ما لا ينتفع به ولا يقع، وإنما يورث التجادل فيه: كثرة الخصومات والجدال، وكثرة القيل والقال.
• وكان الإمام أحمد كثيرا إذا سئل عن شيء من المسائل المحدثة المتولدات التي لا تقع يقول: دعونا من هذه المسائل المحدثة.
.... إلى أن قال رحمه الله:
• ومن سلك طريقه لطلب العلم على ما ذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالباً؛ لأن أصولها توجد في تلك الأصول المشار إليها.
• ولابد أن [لا] يكون سلوك هذا الطريق خلاف أئمة أهل الدين المجمع على هدايتهم ودرايتهم؛ كالشافعي وأحمد وإسحق وأبي عبيد، ومن سلك مسلكهم.
• فإن من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقهم وقع في مفاوز ومهالك، وأخذ بما لا يجوز الأخذ به، وترك ما يجب العمل به)).
• قال أبو عمر: يتبع إن شاء الله (المقارنة بين المنقول وبين مضمون الرسالة) التي فتح الموضوع لأجل نقدها.
• وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
@ تنبيه: أرجو من المشرفين نقل هذا الموضوع إلى منتدى الحسبة على الكتب.
¥