تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإنني لآمل أن يوفق الله سبحانه وتعالى لإنشاء معملٍ خاص لهذا الغرض بإذن الله، تُهيءُ له أدواته المناسبة كما تفضل الدكتور غانم، ويكون بدايةً لمثل هذا الغرض النبيل،ويصمم له منهج علمي مركز، فنحن في زمان كثرت فيه العناية بالدورات العلمية المتخصصة في المساجد، وفي مراكز التدريب التي عُقدتْ الدوراتُ فيها لأشياء كثيرة من جليل أمور العلم ودقيقه بل ورُبَّما عديم الجدوى من جوانبه.

وحقٌّ على المنتسبين للقرآن وعلومه أن يبادروا للتجديد في عرض ما معهم من العلم لتقريبه للمسلمين، وتحبيبهم فيه، فالناس في لهف لفهم القرآن وتعلم علومه، فإنَّ أهلَ كلِّ تخصصٍ من العلم قد يكونون سبباً في نَهضته وحياته إن قاموا به ورفعوا رايته، وتتبعوا طرق نشرهِ كالتاجر الحريص على نشر بضاعته وترويجها. وقد يكونون سبباً في خُمودهِ وضعفه وضياعه إن ركنوا إلى الدعة، وتركوا الأمر على عواهنه، ورضوا بما وصل إليهم منه، دون أن يضيفوا من روح عصرهم لهذا العلم ما يكون كفيلاً بنشره وجعله ثقافة عامة للمسلمين.

وهذا الموضوع - أخي العزيز العبادي - متداخلٌ بين عدد من التخصصات العلمية المعاصرة كما تفضل الدكتور غانم بقوله: (إن دراسة رسم المصحف لا تهم المتخصصين بالدراسات القرآنية وحدهم، بل تفيد دارس اللغة العربية، وأهل التاريخ والآثار، والمهتم بالخط العربي وتجويده):

1 - فمنه جانب يعنى به أهل الدراسات القرآنية كظواهر الرسم العثماني، وكيفية رسم الكلمات، وكيفية نطقها وغير ذلك، وقد صنفت في ذلك مصنفات كثيرة نثراً وشعراً ولله الحمد.

2 - وجانب يعنى به أهل صناعة الخط مثل أنواع خطوط المصحف وكيفية كتابتها وإجادتها، وكيفية كتابة المصحف في الصحف، ومراعاة خواتم الصفحات وبداياتها، والأحبار والأقلام التي تستخدم في كتابة المصحف وغير ذلك من التفاصيل التي تبهج القلبَ وتسره، وتزيده يقيناً بحفظ كتاب الله. وقد حفظت لنا كتب التاريخ أسماء كثير من المتخصصين في كتابة المصاحف، وممن تفرغ لهذا الشأن حياته، وقد برز منهم خلال التاريخ الإسلامي العديد ممن أجادوا خطوط المصاحف كخالد بن الهياج، ومالك بن دينار، والضحاك بن عجلان، والرشيد البصري، ومهد الكومي، وأبو حدى الكوفي، وابن مقلة، وابن البواب، وشمس الدين محمد بن أبي رقية، وياقوت المستعصمي، وشهاب الدين غازي، وشمس الدين محمد الوسيمي، وابن العفيف، وابن الصائغ الذي يعتبر عميد الخطاطين العرب في مصر المملوكية في القرن التاسع الهجري. وكثير من أسماء هؤلاء الخطاطين تجدها في أوائل أو أواخر مصاحفهم التي كتبوها. والمتتبع لهذا الجانب من جوانب العناية بالقرآن وكتابته وخطه، وتاريخ خطاطيه يستخفه الطرب والسعادة من هذا التاريخ العريق لهذه الصناعة الشريفة، وهو جانب من جوانب حفظ الله لكتابه، ومن معاني قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وهذا الجانب مغفولٌ عنه تَماماً في الدراسات القرآنية، وكتب علوم القرآن، مع تعلقه بالقرآن الكريم.

3 - وجانب يعنى به أهل الفنون كتذهيب المصحف وزخرفته، والعناية بأثاث المصحف عبر التاريخ كخزائنه التي يحفظ بها، وتجليده وأنواعه وكيفيته، والتذهيب قد شاع استخدامه في المصاحف في رسم فواصل السور، وفواصل الآيات، وفي رسم بعض الزخارف في هوامش بعض صفحات المصحف، ولكن براعة المذهبين تظهر بصورة جلية في زخرفة الصفحتين الأولى والثانية من المصحف، والتي يكتب فيها عادة سورة الفاتحة، والآيات الخمس الأولى من سورة البقرة، ويسميها أهل التذهيب (السرلوح)، ويتنافسون في إجادتها تنافساً شديداً. وقد حفظ لنا التاريخ أسماء مشهوري المذهبين للمصاحف مثل اليقطيني، وإبراهيم الصغير، وأبي موسى بن عثمان، وابن السقطي، ومحمد وابنه، وأبي عبدالله الخزيمي وابنه، وقد عاش الأخيران في القرن الثاني عشر الهجري، وغيرهم كثيرون، وقد ظهر أهل التذهيب بعد ظهور الخطاطين، وكان أهل التذهيب في المرتبة التي تلي مرتبة الخطاطين من حيث الأهمية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير