أخيرا: بهذه المناسبة فإن معنى كلمة (التوثيق) كما جاء في موسوعة المفاهيم الإسلامية: التوثيق لغة: هو الإحكام، تقول: وثق الشىء قوى وثبت وكان محكما، وتوثق تقوى وتثبته. واصطلاحا: هو إثبات صحة الشىء أو التثبت من صحة النص، وهو مشتق من الثقة ومنه وثيقة الزواج، وتوثيق العقود أى إثبات صحتها ومصلحة التوثيق هى الجهة المنوط بها إثبات صحة العقود والمعاملات
المكتوبة بين الناس. والتوثيق فى البحوث العلمية يقصد به: ربط كل الأفكار والقضايا والمسائل الواردة بها بالمصادر والمراجع
التى أخذت منها، وتدعيمها بالاقتباسات والشواهد المأخوذة من تلك المصادر والمراجع.وأول مظهر لاهتمام العرب بتوثيق النصوص هو عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن الكريم، وحرصه على ضبط ما يكتبه كتبة الوحى فقد روى عن زيد بن ثابت قوله "كنت أكتب الوحى عند رسولالله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس".وبما أن الحديث النبوى هو المصدر الثانى من مصادر التشريع ونظرا لأنه لم يدون إلا على رأس المائة الثانية للهجرة فقد كان طبيعيا أن يهتم المسلمون بتوثيقه اهتماما بالغا لما له من أهمية فى شئون أمور الدين والدنيا. ولهذا وضعت القواعد لقبول الحديث وظهر الاهتمام بصحة الإسناد منذ عهد مبكر، فقد روىعن عبد الله بن المبارك قوله:"مثل الذى يطلب أمردينه بلا إسناد كمثل الذى يرتقى السطح بلا سلم "،ونتج عن ذلك الاهتمام بصدق الرواة والتأكد من حسن سماعهم لما يروونه،وحقيقة لقائهم بشيوخهم وعدم الزيادة أو النقصان أو التحريف أو التصحيف أو المخالفة فيما يروون من أجل التثبت من أهليتهم لرواية الحديث، وكما نتج عنه الاهتمام بمعرفة اتصال السند أو انقطاعه،وعلوه ونزوله، وغير ذلك مما فصلته علوم الحديث، وقد تمخض هذا كله عن ظهور علم مصطلح الحديث من ناحية وكتب الجرح
والتعديل من ناحية أخرى. وكان لتوثيق النصوص مظاهر متعددة تمثلت فى تدوين السماعات والقراءات والإجازات والمقابلات والمعارضات
والتصحيحات والاستدراكات على النسخ المخطوطة إحكاما واستيثاقا. أ.د/عبد الستار عبدالحق الحلوجى.
ختاما: أضيف لعنوان هذه المشاركة عنوان بحث هو ((توثيق أسانيد القراء من عصر بن مجاهد الى عصر النبوة دراسة وتوثيق)). وهذا العنوان انظره في قائمة بأسماء الأبحاث المسجلة في الماجستير والدكتوراة بكلية القرآن الكريم بطنطا في جمهورية مصر العربية ,مستقاة من ملتقى اهل التفسير. والله الموفق.
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[28 Feb 2007, 10:43 ص]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
سأتعرض في هذه الأسطر اليسيرة إلى موضوع مهمّ في غاية الأهمّية وهو:
هل المشافهة لوحدها تكفي في إثبات صحة وجه من أوجه الأداء؟
فأقول وبالله التوفيق:
قد تلقّى النبيّ عليه الصلاة والسلام القرءان الكريم عن جبريل عليه السلام كما قال جلّ في علاه " وإنّك لتلقّى القرءان من لدن حكيم عليم ". وتلقّى الصحابة ذلك عن النبيّ عليه الصلاة والسلام وكذا التابعون عن الصحابة عليهم رضوان الله حتّى وصل إلى القراء العشرة المعروفين وعنهم وصل إلينا مسلسلاً. وقد اشتهر عن السلف أنهم قالوا" القراءة سنّة متبعة يأخذها الآخر عن الأوّل ".
فعلى هذا الأساس فإنّ أحكام التلاوة من إظهار وإدغام ومدّ وقصرٍواختلاف القراءات القرءانية وغير ذلك لم ترد في القرءان ولا في السنّة بل هي ثابتة بالتلقّي من أفواه المشايخ الموثوق بهم. إذن فالتلقّي من المشايخ هو المصدر الأساسي والأصلى في علم التلاوة.
ولما طال الزمن ضعفت الهمم وقلّ الضبط والإتقان، تفطّن العلماء أنّ المشافهة لا تكفي للحفاظ على النطق السليم للقرءان الكريم وقراءاته فدوّنوا كتباً في كيفية النطق بالحروف وما يترتّب عن ذلك من مخارج الحروف والصفات وما يعرض للحروف حال التركيب وجمعوا القراءات الثابتة عن أئمّة الأمصار فكانت هذه الكتب عمدة لهم ولمن جاء بعدهم حيث أنّها تحتوي على مضمون ما تلقوه عن مشايخهم بالسند.
إذن فالدافع إلى التدوين هو ضعف الهمم وقلة العلم وتدهوره أي تدهور المشافهة لأنّ علم القراءة قبل عصر التدوين لم يعرف إلاّ بالتلقي فقط.
¥