هَذَا قَالَهُ عُمَر اِسْتِدْلَالًا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ تَخْطِئَة هِشَام، وَإِنَّمَا سَاغَ لَهُ ذَلِكَ لِرُسُوخِ قَدَمه فِي الْإِسْلَام وَسَابِقَته، بِخِلَافِ هِشَام فَإِنَّهُ كَانَ قَرِيب الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ فَخَشِيَ عُمَر مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُون
أَتْقَنَ الْقِرَاءَة، بِخِلَافِ نَفْسه فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَتْقَنَ مَا سَمِعَ، وَكَانَ سَبَب اِخْتِلَاف قِرَاءَتهمَا أَنَّ عُمَر حَفِظَ هَذِهِ السُّورَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيمًا ثُمَّ لَمْ يَسْمَع مَا نَزَلَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا حَفِظَهُ وَشَاهَدَهُ، وَلِأَنَّ هِشَامًا مِنْ مُسْلِمَة الْفَتْح فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ عَلَى مَا
نَزَلَ أَخِيرًا فَنَشَأَ اِخْتِلَافهمَا مِنْ ذَلِكَ، وَمُبَادَرَة عُمَر لِلْإِنْكَارِ مَحْمُولَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ حَدِيث " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف " إِلَّا فِي هَذِهِ الْوَقْعَة .. "14/ 198
هذا كلام واضح لا يحتاج لبيان في سبب تنازع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ في قضية اختلافهم.وانظر إلي قوله:" وَمُبَادَرَة عُمَر لِلْإِنْكَارِ مَحْمُولَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ حَدِيث " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف " إِلَّا فِي هَذِهِ الْوَقْعَة" وقس عليه سائر الاختلافات.
وكما أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قرئ كلا بحسبه، وقد فعل القراء العشر كذلك، فالواحد منهم قرأ عدة ختمات علي شيخه، وبكثير من الأوجه، ولكنه عند التصدر للإقراء كان يقرئ كل طالب بحسب قدرته، فهذا بالسكت وهذا بالقصر وهذا بالمد ... وهكذا فكل هذه الأوجه متواترة ومستفاضة.
قالوا: كيف تقولون بتواتر القراءات رغم أن الأسانيد كلها منصبة عند ابن الجزري؟؟
إن ابن الجزري لم يكن هو الوحيد الذي يقرئ في زمنه، وبعض الشيوخ الذين قرأ عليهم ابن الجزري كانوا موجودين، ثم ماذا فعل ابن الجزري: قام ابن الجزري بجمع ما مشتهر في زمنه ووضعه ف كتاب النشر، وهذه الطرق هي الطرق المقروءة بها في زمنه، ثم انتقال ابن الجزري في البلاد وإقراء الكثرين من الناس وقوة طلبته قد أدي إلي حفظ ما كتبه، وفي كل علم الطلبة هم السبب في شهرة الشيخ وحفظ علمه، وكما قال الشافعي:" الليث أفقه من مالك " ولكن طلبة الليث لم يحفظوا علم شيخهم إلا القدر اليسير، بعكس طلبة الإمام مالك، فقد تعددت شروح الموطأ، وكثرة النقولات عن مالك من قبل الطلبة أدي إلي حفظ المذهب المالكي، وكذا المذاهب المشهورة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولقد ذكر القراء أن أبا عبيد بن القاسم بن سلام ذكر قرابة ثلاثين قراءة أو تقل قليلا، ولم تكتب الشهرة في القراءة إلا للقراء العشرة.
وإليك نبذة يسيرة عن ابن الجزري ورحلاته في طلب العلم من مقدمة النشر للضباع:" نبذة يسيرة للتنويه بمؤلف هذا الكتاب (يقصد ابن الجزري)
لئن كان الكتاب كما قيل يقرأ من عنوانه ودلائل تباشيره تبدو من جداول بيانه: إن في كتاب النشر في القراءات العشر لأصدق التباشير وأوضح الأدلة على نباهة مؤلفه وعلو شأنه وسمو مرتبته في هذا الفن الجليل حتى لقب بحق إمام المقرئين وخاتمة الحفاظ المحقيين. فهو الإمام الحجة الثبت المحقق المدقق شيخ الإسلام سند مقرئي الأنام: أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجرزي.
ولد رحمه الله بدمشق الشام في ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة هجرية. ونشأ بها وأتم حفظ القرآن الكريم في الرابعة عشرة من عمره. ثم أخذ القراءات افراداً على الشيخ أبي محمد عبد الوهاب ابن السلار. والشيخ أحمد بن إبراهيم الطحان. والشيخ أحمد بن رجب. ثم جمع للسبعة على الشيخ إبراهيم الحموي. ثم جمع القراءات بمضمن كتب علي الشيخ أبي المعالي محمد بن أحمد بن اللبان. ثم في سنة 768 هـ حج وقرأ على إمام المدينة الشريفة وخطيبها أبي عبد الله محمد بن صالح الخطيب بمضمن التيسير والكافي.
¥