تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عليهما وبه أقرئ متّبعاً للأثر ومتمسّكاً بسندنا الأغر والحقّ أحقّ أن يتبع والله تعالى أعلم وقولنا قدّموا أهل (سما) في الذكر والرتبة ... ألخ أي على ذلك بنوا تقديم القراءات والروايات بعضها على بعض جمعاً فإذا اجتمعوا كلاً أو بعضاً في كلمة واحدة من الآية المروية جمعاً قدّم صاحب الرتبة وأوّلهم قالون لكونه مدنياً عن مدني .... " انتهى كلامه رحمه الله تعالى (هامش نجوم الطوالع للعلامة المارغني ص74). أقول: مع أنّ وجه التحقيق هو المشهور عن ابن عامر إلاّ أنّ وجه التسهيل قدّم لهشام لكونه مذهب قرّاء الحرمين والبصرة وقراءتهم مقدّمة على قراءة أهل الكوفة.

وكذلك مسألة زيادة المدّ في البدل فقد روى أكثر أهل الأداء الزيادة في مدّ البدل لورش من طريق الأزرق ومع ذلك فقدّ قدّم القصر لأنّه كلّ القراء أخذوا بالقصر ما عدا ورش، فالشهرة في هذه الحالة هي شهرة الوجه بالنسبة لجميع القراءات المتواترة ولا تختصّ برواية أو قراءة.

.أمّا الضرب الثاني: الخلاف في المسائل الاجتهادية التي حكمها الاستحباب كالخلاف في مسألة الإشارة بالروم والإشمام في ميم الجمع وهاء الكناية إذ الإشارة في حدّ ذاتها بُنيت على استحباب أهل الأداء.

القسم الرابع: وهو ما كان الخلاف فيه لفظيّ لا يترتّب عنه تغيير في النطق ولا يصادم نصاً من النصوص المعتبرة كمسألة الغنّة في نحو {من مال} هل هي غنة المدغم أم غنة المدغم فيه ومسألة مراتب القلقلة ومراتب الغنة وغير ذلك.

القسم الخامس: وهو ما يتعلّق بالتحريرات وإن كان الخلاف فيه ظهر بعد ابن الجزري إلاّ أنّه من الخلاف المعتبر لاعتماده على المنصوص سواء كان النصّ من ظاهر كلام النشر أو كان من أصول النشر. وعلم التحريرات يتمثّل في مقارنة ظاهر كلام كتاب النشر لابن الجزري بأصوله وهي الكتب التي اعتمد عليها المؤلف عليه رحمة الله تعالى في تأليفه لكتاب النشر زيادة على ذلك أنّه تلقى القراءات بمضمون تلك الكتب فجمع بين الرواية والدراية. والذي قام به المحققون من بعده هو المقارنة بين مضمون كتاب النشر بمضمون أصول النشر فوقع الخلاف بين المحررين في منهجية التحقيق، فمنهم من اعتمد على ظاهر النشر وهو العلامة المنصوري وأتباعه ومنهم من اعتمد على الأصول كالعلامة الأزميري ومن تبعه كالمتولي والضباع وغيرهم،وهذا الخلاف لا يخرج عن صحة القراءات الواردة في النشر لتواترها في الجملة وإنّما هو خلاف في تحديد الأوجه المترتبة عن كلّ طريق منعاً للتركيب والخلط بين الطرق.

ومن تأمّل هذه الأنواع يجد أنّ الخلاف لا يخرج عن ما نصّه أهل الأداء ولا عما تلقوه عن مشايخهم، والدليل على ذلك أنّ كتاب النشر يحتوي على جميع هذه الأقسام ومن تعامل مع كتاب النشر معاملة خاصّة يجد أنّ مؤلفه رحمه الله تعالى ينسب كلّ وجه إلى مصدر من المصادر أو إلى قول من أقوال أهل الأداء الذين سبقوه، ولذلك نقل أسماء الكتب التي روى منها القراءات مع ذكر سنده إلى صاحب الكتاب، فكأنّما يريد توثيق ما تلقاه عن مشايخه بالكتب والنصوص، وكان باستطاعته إن يذكر الإسناد مستغنياً عن ذكر الكتب كما كان يفعل القدامى.

النوع الثاني: وهو الخلاف الغير المعتبر. والسبب في كونه غير معتبر هو عدم ورود الخلاف فيه نصاً عند أئمّة القراءة فهو خلاف نشأ عن اجتهادٍ وتحوّل ذلك الاجتهاد إلى المشافهة لأنّه يُطبّق على القراءة ثمّ يتلقّى الخلف ذلك الوجه مشافهة من الشيخ بعد ما كان اجتهاداً محضاً فينشأ الخلاف في التطبيق إلى مذاهب مختلفة وكلّ من الأطراف يستدلّ بالمشافهة التي تعتبر أصل هذا العلم.

فمسألة الفرجة في إخفاء الميم الساكنة والإقلاب بُنيت على أساس اجتهادٍ محض ثمّ صارت بعد سنوات من المتلقى بالسند المتصل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام. ومسألة مراتب التفخيم التي نشأ عنها الخلاف في التطبيق فيختلف النطق بحسب الخلاف الناشئ عن الاجتهاد، فمن اعتبر أنّ مرتبة السكون مرتبة مستقلة ينطق بالحرف الساكن بطريقة معيّنة ومن اعتبر أنّ مرتبة الساكن تتبع حركة ماقبلها في المنزلة، ينطقها بكيفية أخرى، وكذلك مسألة كيفية النطق بالقلقلة هل صوتها يكون ساكناً سكوناً خالصاً أم يكون مائلا إلى حركة ما قبله أم إلى الفتح مطلقاً فتغيّر النطق على نحو اختلاف الأقوال.

وهذه المسائل وغيرها لم يختلف فيها القدامى وإنما ظهر الخلاف فيها عند المتأخرين بسبب الخوض فيما لم يخض فيه القدامى، ومن اطلع على أقوالهم يجد الحلّ بلا ريب دون اللجوء إلى الاجتهاد، ومن اعتمد على أقوال المعاصرين دون أقوال القدامى فإنّه يبقى متخبطاً في هذا الخلاف ويشغل نفسه بذلك ويضيع الوقت الكثير.

وعلى ما سبق فلا بدّ أن نرجع إلى أقوال القدامى في جميع المسائل قبل اللجوء إلى الاجتهاد لعلنا نجد ما يفصل في المسألة فيتلقى الناس ذلك بالقبول بإذن الله فيزول الخلاف، إذ واجبنا جميعاً توقير هذه النصوص وإذا وقّرناها حقّ التوقير فإننا سنرجع إليها لتفصل بين المختلف فيه وخاصّة عند نقل أقوال الأئمّة المشهورين الذين شهدت لهم الجماهير بالإمامة في علم القراءة كمكي القيسي وأبي عمرو الداني وأبي العلاء الهمذاني وغيرهم، بخلاف المشافهة فإنّها اليوم لا يمكن أن تفصل بين المختلف فيه لوجود الخلاف في ذاتها من جهة وانعدام أمثال هؤلاء الأئمّة الذين ذكرناهم. ولا يُعقل أن نلجأ إلى الاجتهاد دون اطلاع على أقوال العلماء فيُجانب الصواب وينشأ الخلاف المسبب للفرقة بين أهل الأداء. والقياس في القراءة مذموم ولا يجوز إلا بشروط سنذكرها في بابها إن شاء الله تعالى. وبالمناسبة أريد أن أنبّه على أنّه قبل الخوض في دراسة النصوص وأقوال القدامى لا بدّ من المشافهة والتلقي من أفواه المشايخ مع التمكن في علم التجويد والقراءات جمعاً بين الرواية والدراية ومن اعتمد على المشافهة فقط فإنّه قد يقع في الخطأ دون أن يشعر، ومن اعتمد على النصّ دون المشافهة فإنّ ذلك لا ينفعه لأنّه علم بدون عمل وهو أسوأ الأصناف والقراءة سنة متبعة والمتابعة تكون بالمشافهة والنص لأنّ النص يعبّر عن مشافهة القدامى لمشايخهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

محمد يحيى شريف الجزائري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير