تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القياس هو المصدر الرابع من مصادر التشريع أي بعد الكتاب والسنة والإجماع، وهو الذي اتفق عليه جماهير المسلمين على الأخذ به واعتبروه مصدراً أساسياً مع المصادر الثلاثة الأولى، وهو ذو أهمّيّة خاصّة، لأنّ النصوص محدودة،والوقائع ليست كذلك، ولا يمكن أن يحيط المحدود بغير المحدود، فتظهر ضرورة القياس في التشريع، وقد يسدّ هذا المصدر باباً كبيراً في بيان الأحكام، وبه تتمّ صلاحية الشريعة لخلودها وصلاحها لكلّ زمان ومكان، وإنّ هذه النصوص المحكمة والقواعد العامّة والأصول الثابتة دلّت على الأخذ بالقياس وبذلك يكون دليلاً على حكم الله تعالى. وأمّا في علم التجويد والقراءات فإنّ للقياس أهميّة عظيمة كذلك إلاّ أنّ مجاله يقلّ بالنسبة للأحكام الشرعية إذ الأصل في قراءة القرءان المتابعة ولا يتأتّى ذلك إلاّ بالمشافهة من المشايخ الموثوق بهم والمتصلي سندهم بالنبيّ عليه الصلاة والسلام ولا يُجنح إليه إلاّ في المسائل التي لم يرد فيها نصّ أو غموض الوجه أداءً مما يضطر فيه أهل الأداء إلى الأخذ به للحاجة إذا لم يكن هناك سبيل سوى ذلك، وهذه المسائل قليلة ومحدودة مقارنة مع الثابت بالنصّ والأداء، وهذا يختلف تماماً مع الأحكام الفقهية التي تتّسع بحسب مستجدّات العصر والتطوّرات البشرية والعلمية والاقتصادية وغير ذلك والتي لا بدّ لها من إطار يحدّد مشروعية الحكم بالاجتهاد والقياس. مثال ذلك وجه الإظهار في {ماليه هلك}، فإنّه الثابت عند الجمهور لعروض هاء السكت في الكلمة ولكن هل نستطيع أن نقرأ بالإظهار من غير سكت؟ لا يمكن لثقل الهاء بسبب خفائها وبُعد مخرجها وخاصّة إذا التقت بمثلها كما في المثال، وعلى هذا الأساس أجاز العلماء السكت عند الإظهار لأنّه لا يتمّ إلاّ به وليس ثمّة حلّ سوى ذلك. كما أنّ أهل الأداء استعملوا القياس لتقوية بعض الأوجه الثابتة بالنصّ والأداء فقدّموا وجه القصر في البدل لورش قياساً على ما ثبت عند غيره من القراء وما كان متفشياً في لغة العرب مع أنّ معظم الرواة عن ورش من طريق الأزرق رووا تمكين المدّ فيه، فقُدم القصر قياساً، ولذلك يعبّرون عن ذلك بقولهم " وهو الأقوى قياساً "، أو وهو "الأقيس أداءً " أو " وهو القياس ". كما أجاز أهل الأداء القياس مطلقاً في المسائل التي يكون خلاف فيها لفظيّ ولا يترتّب عليه تغيير في الصوت القرءاني كعدد مخارج الحروف والصفات والخلاف في الاصطلاحات والألفاظ وفي بعض المسائل النظرية كاختلافهم في الغنة عند إدغام النون في الميم في نحو {من مال} هل هي عنّة الميم أم هي غنّة النون، وهذا النوع من القياس لا يضرّ لعدم ترتّب عليه تغيير في أداء الحروف والكلمات لذا كان المجال في هذا النوع من قياس أوسع من غيره ولا علاقة به بالضوابط والنطاق المحدود.

ويجدر بنا أن نذكّر أنّ مصادر علم التجويد والقراءات تختلف عن مصادر الشريعة العامّة لأنّ القراءة لا تثبت إلاّ بالمشافهة عن المشايخ، وما نُقل عنهم بالنصّ من الأقوال المفسّرة لذلك التلقّي حيث لم يثبت في القرءان ولا في السنّة كيفيّة النطق بالحروف وما ينشأ عنها حال التركيب وكذا اختلاف القراءات والروايات. وبعد دخول الأعاجم في الإسلام اختلطت ألسنة العرب بالعجم وضعفت الهمم وكثر اللحن، فتفطّن أهل العلم لذلك فقاموا بتدوين علم التجويد والقراءات على وفق ما تلقّوا عن مشايخهم بالسند فبيّنوا اللحن الجليّ والخفيّ وبيّنوا مخارج الحروف والصفات وما ينشأ عنها لتحصين تلاوة القرءان الكريم من اللحن، وجمعوا ما وصلهم من القراءات والروايات والأوجه وبيّنوا الصحيح منها وما استفاض وتواتر عندهم وبيّنوا الشاذ منها وممّا انفرد به بعض الرواة، فصارت هذه النصوص مصدراً أساسياً للمتأخرين لأنّها تعبّر عن الكيفيّة الصحيحة التي قرأ بها أئمّة هذا الفنّ فكانت سراجاً ومعياراً وميزاناً تقوّم به ما قد يعتري التلقّى من السهو والوهم عبر القرون المتأخّرة، لذا كانت هذه النصوص أصلاً يعتمد عليه الفرع عند القياس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير