تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رابعاً: كلّ ما ذكرناه يدلّ أنّ القدامى كانوا لا يأخذون بالقياس إلاّ ضرورة عند عدم النص وغموض وجه الأداء فكانوا يحتاطون لذلك أشدّ الاحتياط لأجل ذلك وضعوا حدوداً لا يحوز تعدّيها لأيّ سبب بخلاف ما نشاهده اليوم من الخلاف في المسائل التي منشؤها ومنبعها اجتهاد وقياس محض وتزداد الخطورة أنّها تقدّم على النصوص والمشافهة المسندة.

خامساً: مسائل القياس الواردة ِ عند القدامى قليلةٌ جداً كما قال ابن الجزري رحمه الله " ... ونحو ذلك مما لا يخالف نصاً ولا يردّ إجماعاً ولا أصلاً مع أنّه قليلٌ جداً كما ستراه مبيّناً بعدُ إن شاء الله تعالى ... " وقول مكّي القيسي رحمه الله " وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل ....... ".انتهى كلامه رحمه الله النشر 1/ 18. أقول إن كانت المسائل القياسية قليلة ومحدودة عند القدامى فلا يجوز اليوم أن نأخذ بالقياس إلاّ الذي أُخذَ به عند أئمة هذا الفنّ المعتبرين وتلقّوه بالقبول

أسباب الأخذ بالقياس:

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى: " أمّا إذا كان - أي القياس - على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعيّن على قوّة التصحيح" النشر 1/ 17.

من خلال كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى يمكن أن نستخرج الأسباب التي حملت القدامى على الأخذ بالقياس وهي:

أوّلاً: عدم وجود نصّ: والنصّ هو ما نُقل بالإسناد عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى لإثبات حكم أو وجه من الأوجه الأدائية وهذا ما نجده في الكثير من مصادر التجويد والقراءات كجامع البيان للداني وغيره حيث ينقلون النصوص بالإسناد إلى القراء أو إلى رواتهم أو إلى من دونهم من أئمّة أهل الأداء كابن مجاهد وغيره. مثاله: قال الداني في جامع البيان ص288: "وروى أبو بكر الوليّ عن أحمد بن حميد عن عمرو، وعن الأشناني عن عبيد عن حفص بالإظهار - أي {يلهث ذلك} -، وحدثني عبد الله بن محمد، قال: حدثني حدثني عبيد الله بن أحمد البغدادي، قال أنا أبو الحسين بن بويان، قال: حدثنا الحسن بن علي الهذيل، قال حدثنا أبو عون عن الحلواني عن قالون {يلهث ذلك} مظهر".

إنّ أهل الأداء كانوا يستدلّول على كلّ ما تلقوه عن مشايخهم بنصّ معتبر ينبني عليه ذلك التلقي، ومن اطلع على كتاب جامع البيان للداني والنشر لابن الجزري وغيرها من الكتب الغير المختصرة، يدرك ذلك إدراكاً جلياً، وهذا الذي حمل الداني وغيره على نقل النصوص بالأسانيد، وحمل ابن الجزريّ على نقل المصادر التي روى منها القراءات، وحمل أهل الأداء على استعمال القياس فيما لا نصّ فيه لأنّ القراءة عندهم لا بدّ أن تنبني على أصول معتبرة تقاس عليها بقية الأوجه التي لم تثبت بالنصّ، وذلك لوجود الكثير من الأوجه الأدائية التي تفتقر إلى نصّ، لذا فرّق أهل الأداء بين الثابت بالنصّ والثابت بالأداء، مثال ذلك مسألة إثبات حرف المدّ وعدمه قبل الهمزة الساقطة في نحو {السماء أن نقع} لمن أسقط الهمزة الأولى، قال أبو عمرو الداني في جامع البيان " ولا أعلم أحداً من الرواة نصّ عليها بمدّ ولا بقصر غيره، وإنّما يتلقى الوجهان فيهما من أهل الأداء تلقياً " جامع البيان ص225،. أقول: إذن فكلّ ما ثبت بالأداء المجرّد عن النصّ احتاج إلى تأصيل وتقعيد ليكون تحت أصل وثيق ينبني عليه ذلك التلقّي كجواز القصر والمدّ قبل الهمزة الساقطة كما في المثال الفارط نحو {السمآ أن} لمن أسقط الهمزة الأولى مع تقديم وجه القصر لذهاب أثر الهمز، وجواز المدّ والقصر قبل الهمز المغيّر بالتسهيل لمن سهّل الأولى في نحو {هؤلاء إن} مع تقديم وجه المد لبقاء أثر الهمز، وهكذا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير