الثالث: عروض السكون في النون وصلاً لأجل الإدغام، إذ الأصل تحرّكها بالفتح، ولا شكّ أنّ الاعتداد بالأصل أولى من الاعتداد بالعارض.
الرابع: عدم وجود ضرورة أو حاجة إلى الأخذ بوجه الغنة في {نومن لك}. ولذلك قال العلامة الضباع: " لا ينبغي أن يلتفت إلى هذا القياس لمصادمته للرواية الصحيحة الواردة على الأصل إذ النون من نحو لن نؤمن لك وتأذن ربك متحرّكة في الأصل وسكونها عارض للإدغام. والأصل أن لا يعتدّ بالعارض. ولما فيه من القياس ما لا يروى على ما رُوي. والقراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأوّل. والقياس إنّما يصار إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء. وهذا لا غموض فيه ........ " اتنهى كلام الشيخ الضباع رحمه الله. (هامش كتاب إتحاف فضلاء البشر للبنا ص33).
شروط القياس:
قال ابن الجزري رحمه الله تعالى بعد ذكر توبه أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغدادي المقرئ النحوي بعد محاكمته لأجل إعماله للقياس مطلقاً:"ومن ثمّ امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه " وقال رحمه الله تعالى: " أمّا إذا كان -أي القياس - على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعيّن على قوّة التصحيح" النشر 1/ 17.
من خلال ما سبق من كلام إمام الفنّ ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى يمكن استخراج شروط القياس وهي:
أوّلاً: وجود أصل معتبر يُعتمد عليه
ثانياً: وجود ركن وثيق في الأداء يُعتمد عليه
ثالثاً: عدم مصادمته لأيّ نصّ من نصوص الأئمّة الذين نقلوا لنا القرءان.
رابعاً: عدم مصادمته للإجماع
خامساً: عدم مخالفته لما ثبت بالأداء عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى.
شرح هذه الشروط:
الشرط الأول: عدم وجود أصل يُرجع إليه: الأصل هنا يراد به النصّ أو الإجماع أو القواعد المعمول بها عند أهل الأداء وأهل اللغة.
أ - النصّ: قد شرحنا المراد من النصّ عند ذكر أسباب القياس، والمراد بالسبب هنا قياس الفرع على الأصل أي قياس الحكم المجهول على نصّ معلوم مع اشتراكهما في نفس العلة والسبب، مثاله قياس {قال رجلان} على {قال رب} لثبوت النصّ في {قال رب} خلافاً ل {قال رجلان} مع اتفاقهما في العلّة وهو التقاء {قال} بالراء من رواية السوسي التي توجب الإدغام في ذلك، ولورودهما أداءً وإجماعاً.
ب - إجماع أهل الأداء على حكم معيّن: كإجماعهم على جواز الجمع بين الساكنين وقفاً، وعلى تمكين المدّ المتصل والمدّ اللازم، وإبدال الهمزة الثانية وجوباً إذا سكنت في نحو {آمنوا} وعند الابتداء ب {ايت} مثلاً وغير ذلك. قال ابن الجزريّ: وأمّا – أي القياس - إذا كان على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء " أقول: وإن فرّق بين الأصل والإجماع إلاّ أنّ الإجماع في حدّ ذاته أصل وثيق يُعتمد عليه، فالعطف هنا للتوضيح وليس للتفريق والله أعلم. ومثال ذلك إجراء التمكين في حرف المدّ الواقع قبل الهمزة المتطرّفة المبدلة وقفاً عند هشام وهمزة في نحو: {السماء}، {أغنياء} وشبهه حيث يُبدل حمزة وهشام الهمزة ألفاً في الوقف فيجتمع ألفان: الأصلية والمبدلة من الهمزة، فالبعض روى القصر بحذف إحدى الألفين تخلّصاً من اجتماعهما ومنهم من روى تمكين المدّ جمعاً بين الساكنين في الوقف قياساً على انعقاد الإجماع على جواز الجمع بين الساكنين في الوقف قال الداني في جامع البيان: "والتمكين أقيس، لانعقاد الإجماع على جواز الجمع بين الساكنين في الوقف " جامع البيان ص249. وتقديم وجه الإخفاء في الميم الساكنة نحو {يأمركم بالسوء} قياساً على الإجماع الثابت في إخفاء الميم المقلبة من النون نحو {من بعد}.
¥