تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واسعين الاطلاع في المسائل لهم ملكة وخبرة في تعاملهم مع النصوص والمصادر. فإذا استطعنا أن نضبط على الأقل القواعد العامّة والأصول في ضبط مسائل القياس ففي ذلك خير كثير. أسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما فيه الخير.

المسألة الأولى:

إدغام الضاد في الشين للسوسي: قال أبو عمرو الداني في جامع البيان ص 172: " وأمّا الضاد، فكان يدغمها في الشين في قوله في النور {لبعض شأنهم} لا غير روى ذلك منصوصاً عن اليزيدي أبو شعيب السوسي، ولم يروه غيره، وبذلك قرأت. وبلغني عن ابن مجاهد أنه كان لا يمكن من إدغامها إلاّ حاذقاً، وقياس ذلك قوله في النحل {والأرض شيئاً} ولا أعلم خلافاً بين أهل الأداء في إظهاره، ولا فرق بينها إلاّ الجمع بين اللغتين مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر، فأمّا قوله في عبس {ثمّ شققنا الأرض شقّا} فمظهر بلا خلاف لخفة فتحة الضاد." انتهى كلامه.

أقول: من خلال ما ذكره الداني عليه رحمة الله تعالى يتبيّن ما يلي:

أوّلاً: ثبوت الإدغام وجهاً واحداً في {لبعض شأنهم} عند الداني نصاً عن السوسي عن اليزيدي، وأداءً حيث قرأ به عن مشايخه، وهو الذي عليه العمل من طريق الشاطبية كما قال صاحبها عليه رحمة الله " وضاد لبعض شأنهم مدغماً تلا " وهو الذي لم يرو غيره الداني عليه رحمة الله تعالى.

ثانياً: عدم اعتماد الداني على القياس لإثبات وجه الإدغام في {والأرض شيئا} و {الأرض شقا} قياساً على الإدغام الثابت في {لبعض شأنهم} لأنّه لم ثبت عنده بالنصّ والأداء، ولا يعلم خلافاً بين أهل العلم في ذلك، وإن كان بعض أهل الأداء قد انفرد بإدغام الضاد في {الأرض شقا} إلاّ أنّه غير معمول به لمخالفته لما عليه الجمهور. قال ابن الجزري: " قد انفرد القاضي أبو العلاء عن ابن حبش عن السوسي بإدغامه. وتابعه الآدمي عن صاحبيه فخالفا سائر الرواة والعمل على ما عليه الجمهور " النشر 1/ 293. أقول: والسبب في عدم اعتماد الداني على القياس هو: مخالفة القياس للنصّ المرويّ عن اليزيدي، ومخالفته لما ثبت بالأداء عن الشيوخ وما اشتهر واستفاض عندهم، والقراءة لا تثبت بالرأي والقياس دون الأثر كما قال الداني: " مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر".

ثالثاً: قد احتج العلماء على عدم ثبوت وجه الإدغام في {والأرض شيئا} و {الأرض شقا} لأجل الجمع بين اللغتين أي بين لغة الإدغام ولغة الإظهار، و إبقاء صفة التكرير للراء وصعوبة الحفاظ عليها عند الإدغام في {والأرض شيئا}، ولخفة الفتح بعد السكون في {الأرض شقا} (انظر النشر 1/ 293).

رابعاً: قد يقول القائل ما الفرق بينها وبين قياس {قال رجلان} على {قال ربّ}؟ الجواب هو أنّ قياس {قال رجلان} على {قال ربّ} ثابت بالإجماع والأداء خلافاً لمسألتنا هذه حيث لم يثبت فيها نصّ ولم يُنقل أدائها عن أهل العلم.

المسألة الثانية:

قال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى: " واختلف في اختلاسه – أي {يره} – عن يعقوب وابن وردان: فأمّا يعقوب فأطلق الخلاف فيه عن رويس عنه أبو القاسم الهذلي من جميع طرقه وروى هبة الله عن المعدّل عن روح اختلاسها وهو القياس عن يعقوب وروى الجمهور عنه الإشباع. والوجهان صحيحان عنه قرأنا بهما وبهما نأخذ " انتهى كلامه (النشر 1/ 311).

أقول: هذا نوع من القياس يُطلق على الوجه الذي يوافق أصول الرواية أو القراءة، فوجه الاختلاس في {يره} ليعقوف هو الموافق لأصله في هاءات الكناية التي اختلف فيها القراء بين الصلة والإسكان والاختلاس في نحو {يؤده} و {نوله}، فكان الوجه موافقاً للقياس أي لأصول قراء يعقوب، وهذه العبارة لا تدلّ على تقديم وجه الاختلاس على الصلة وأنّما تدلّ على موافقته لأصول القراءة فقط، إذ لم يقدّمه المحقق على وجه الصلة لكون الصلة مذهب الجمهور، فتساوت الكفتان كفّة الاختلاس لقوّته قياساً، وكفّة الصلة لثبوته عند الجمهور. وهذا يقرب نوعاً ما قوّة وجه التقليل على الفتح لورش في {أراكهم}. قال الداني بعد أن ذكر وجه الفتح: "وروى آخرون عنه أنّه قرأ الراء وما بعدها بين اللفظين، وبذلك أقرأني ابن خاقان وابن غلبون عن قراءتهما وهو القياس " (جامع البيان ص312). فيظهر من مراد القياس هنا هو موافقة أصول رواية ورش في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير