تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التنبيه الأوّل: قد ذكر أهل الأداء أنّ المسائل التي أخذ فيها بالقياس قليلة مقارنة مع الثابت بالنصّ والأداء، ولكن عند الرجوع إلى أمهات كتب القراءات ككتاب جامع البيان للداني والنشر لابن الجزري نجد أنّهما استعملا لفظ القياس في الكثير من المسائل مما يوهم أنّ معظم هذه المصادر اعتمدت على القياس المحض، وذلك مخالف للمتابعة لأنّ القراءة سنة متبعة لا اجتهاد فيها كما قال الإمام الشاطبيّ:

وما لقياس في القراءة مدخل ............ فدونك ما فيه الرضا متكفّلا

الجواب: من اطلع على كتاب جامع البيان مثلاً مطالعة دقيقة يجد أنّ الداني له اصطلاح خاصّ في استعماله للفظ القياس وقد اعتمد ابن الجزري كثيراً في نشره عليه في تحقيق المسائل والترجيح بين الأوجه وتقديم بعضها على بعض. فكان الداني عليه رحمة الله يستعمل اصطلاح القياس فيما يلي:

أوّلاً: تقديم وجه قياساً من بين الأوجه المتواترة، كقوله " وهو الأقيس أداءً "، و " وهو القياس " وغير ذلك، ولا شكّ أنّ هذا النوع كثير الوجود ويحتاج إلى بيان الأوجه القويّة من غيرها فيما لا يخرج عن ما ثبت بالنصّ والأداء. ً.

ثانياً: تقوية بعض الأوجه الأدائية التي لم يرد فيها نصّ، فتقوّى تحت أصل أو إجماع أو قاعدة تقوم مقام النصّ، وهذا النوع نجده في المسائل الثابتة بالأداء من غير نصّ

ثالثاً: إعمال القياس عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فيما تدعوا إليه الضرورة وتمسّ إليه الحاجة، وهذا الصنف هو الذي وصفه أهل الأداء بإنّه الأقلّ مقارنة مع الثابت بالنصّ والأداء أو بأحدهما، وهو القسم الثالث الذي ذكره مكي القيسي حين قال " وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل ....... ".

أقول: فالقسم الأول والثاني هو عبارة عن قياس مجازيّ لثبوت الفرع فيه بالنصّ أو بالأداء أو بهما جميعاً لتقوية بعض الأوجه على بعض، وتقوية الأوجه الثابتة بالأداء من غير نصّ. وفي النوع الثالث هو قياس حقيقيّ لإعماله عند عدم النصّ وغموض الوجه أداءً مما تدعوا إليه الضرزرة.

التنبيه الثاني: من تأمّل في كتب القدامى يجد أنّهم يعتمدون على النصوص اعتماداً كلّياً، ويعتبرون الوجه الثابت بالأداء عندهم من غير نصّ علّة وإن لم تكن قادحة لعظم الأمانة التي تقتضي نقل القراءات والروايات والأوجه من غير نصّوص، لأنّها مسؤولية عظيمة بالنسبة لهم إذ يتحمّلون مسؤولية صحّة ما ثبت عندهم أداءً. وهذا الذي حملهم على تقوية ما نقلوه بالأداء من غير نصّ بالقياس وفاءً لتلك الأمانة العظيمة التي كلّفوا بها في نشر العلم الصحيح وعدم كتمانه. ً

التنبيه الثالث: بيان عظمة ما قام به أهل الأداء لا سيما علماء القرن الرابع والخامس والسادس للهجرة حيث جمعوا ما وصلهم من القراءات والروايات والطرق نصاً وأداءً، واجتهدوا في المسائل التي لم يثبت فيها نصّ ولا تلاوة وهم مأجورون على اجتهادهم، فهم أئمّة هذا العلم بلا منازع وقد شهدت لهم الجماهير من أهل الأداء بالإمامة في كلّ قطر وزمن وصل فيه ضوء الإسلام، ويكفي أنّها مصادر القراءات التي يُقرأ بها اليوم.

انتهى الجزء الأولّ، وسأتعرّض في الجزء الثاني إلى ذكر بعض المسائل التي اعتُمد فيها على القياس

مع دراستها دراسة دقيقة بحول الله تعالى.

أكتفي بهذا القدر وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحيى شريف الجزائري

ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[29 Jan 2008, 11:14 ص]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

هذا جزء من نماذج بعض أهل الأداء المعتبرين في استعمالهم للفظ القياس واعتمادهم عليه ليتسنّى لنا فهم منهجهم وطريقتهم في التعامل مع المصادر في إلحاق الفروع بالأصول، واستخراج الضوابط والقواعد في ذلك، وهذا العمل يتطلّب جهد عظيم وباع ثقيل واستقراء كبير. وليس مثلي من يقدر على ذلك، وإنّما هي بداية ومحاولة عسى الله تعالى أن يسخّر أناساً متأهّلين يأخذوذ بزمام هذه المسائل وضبطها إلى أقصى درجة ممكنة، حيث لا يمكن ضبط جميع المسائل والإحاطة بها لوجود بعض الجزئيات التي لا يمكن إدراجها تحت أصل أو قاعدة لأنها بنيت على اجتهاد أئمة عالمين بوجوه أهل الأداء وعللها دقيقين النظر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير