تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أشته قال وهؤلاء الثلاثة علماء بتأويل نصوص من تقدم حفاظ. وكان أبو محمد مكي بن أبي طالب يأخذ له بالفصل بينهم بألف وعلى ذلك أبو الطيب وأصحابه وهو الذي تعطيه نصوص الأئمة من أهل الأداء ابن مجاهد والنقاش وابن شنبوذ وابن عبد الرزاق وأبي الطيب التائب وأبي طاهر بن أبي هاشم وابن أشته والشذائي وأبي الفضل الخزاعي وأبي الحسن الدارقطني وأبي علي الأهوازي وجماعة كثيرة من متقدم ومتأخر قالوا لهم بهمزة ومده (قلت) وليس نص من يقول بهمزة ومده يعطي الفصل أو يدل عليه. ومن نظر كلام الأئمة متقدمهم ومتأخرهم على أنهم لا يريدون بذلك إلا بين بين ليس إلا. فقول الداني أقرب إلى النص وأصح في القياس." ثمّ قال " وقد نص على ترك الفصل لابن ذكوان غير من ذكرت ممن هو أعرف بدلائل النصوص كابن شيطا وابن سوار وأبي العز وأبي علي المالكي وابن الفحام والصقلي وغيرهم. وقد قرأت له بكل من الوجهين. والأمر في ذلك قريب والله أعلم." النشر 1/ 368.

أقول: هذا مثال مهمّ يوضّح منهج الأئمّة في تعاملهم بالقياس لتصحيح حكم أو تضعيفه، ففي هذه المسألة اختلف أهل الأداء على قولين القول الأوّل روى الفصل بين الهمزتين مع تحقيق الأولى وتسهيل الثانية، وهو الذي ثبت بالأداء عن أبي محمد مكي القيسي وابن شريح وابن سفيان والمهدوي وأبي الطيب بن غلبون وغيرهم، وهؤلاء وغيرهم قالوا بهمزه ومدّه عن ابن ذكوان، وهذه العبارة لا تدلّ على الفصل كما ذكر ابن الجزريّ والدليل على ذلك أنّ طاهر ابن غلبون يستعمل كثيراً العبارة "المدّة" كناية عن التسهيل كما فعل في {آلذكرين} وأخواتها ومعلوم أنّه لا فصل في هذه المواضع. وذهب الفريق الثاني إلى عدم الفصل بين الهمزتين لعدم ثبوته بالنصّ الصريح والأداء عندهم مستدلين بما نصّه الأخفش على عدم ذكره لألف الفصل لابن ذكوان، واعتمادهم على القياس وأصول رواية ابن ذكوان في عدم الفصل بين الهمزتين المحققين فكيف يكون الفصل بين المحقق والمسهّل مع أنّ الفصل بين المحققتين يكون أولى لتحقيق هدف التخفيف، وما سبب الفصل بين الهمزتين إلاّ لأجل التخفيف والتسهيل. وهذه علّة وجيهة في القياس. وليس هدفنا في هذه المسألة الترجيح لأنّ ابن الجزريّ نفسه ما رجّح قولاً على آخر لأنّ الخلاف في المسألة خلاف معتبرٌ ثابت عند الأئمّة، وإن أنكر الداني الفصل بين الهمزتين فهو منقول بالأداء أيضاً عن بعض الأئمّة المعتبرين ولأجل ذلك قال ابن الجزريّ في الأخير: " وقد قرأت له – أي لابن ذكوان - بكل من الوجهين. والأمر في ذلك قريب والله أعلم." النشر 1/ 368.

ويبقى وجه عدم الفصل لابن ذكوان هو المقدّم والأقيس في الأداء لموافقته لأصوله والعلم عند الله تعالى.

المسألة السابعة: حكم الهمزتين في {بالسوء إلا} لقالون والبزيّ:

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى: " أما: بالسوء إلا) فأبدل الهمزة الأولى منهما واواً وأدغم الواو التي قبلها فيها الجمهور من المغاربة وسائر العراقيين عن قالون والبزي وهذا هو المختار رواية مع صحته في القياس. وقال الحافظ أبو عمرو الداني في مفرداته هذا الذي لا يجوز في التسهيل غيره. (قلت) وهذا عجيب منه فإن ذلك لنما يكون إذا كانت الواو زائدة كما سيأتي في باب وقف حمزة وإنما الأصل في تسهيل هذه الهمزة هو النقل لوقوع الواو قبلها أصلية عين الفعل كما سيأتي، قال مكي في التبصرة والأحسن الجاري على الأصول إلغاء الحركة. ثم قال: "ولم يرو عنه" يعني عن قالون (قلت) قد قرأت به عنه وعن البزي من طريق الإقناع وغيره وهو مع قوته قياساً ضعيف رواية، وذكره أبو حيان، وقرأنا به على أصحابه عنه، وسهل الهمزة الأولى منهما بين بين طرداً للباب جماعة من أهل الأداء وذكره مكي أيضاً وهو الوجه الثاني في الشاطبية ولم يذكره صاحب العنوان عنهما كلا من الوجهين ابن بليمة ... " النشر 1/ 283.

أقول: في هذه المسألة يتضح أنّ الوجه ولو كان قوياً في القياس قد يكون ضعيفاً في الأداء والرواية، ومعلوم عند أهل الأداء أنّ تسهيل الهمزة هو الأقوى قياساً لا سيما عند التقاء الهمزتين من كلمة أو كلمتين لأنّه الأشهر مقارنة مع وجه الإبدال. مثاله ذلك التقاء الهمزتين المفنوحتين من كلمة لورش نحو {ءأنذرتهم} حيث يُقرأ له بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية بين بين أو إبدالها حرف مدّ مشبع، فمع قوّة وجه التسهيل قياساً إلاّ أنّه قدّم وجه الإبدال لاشتهاره رواية. قال أبو عمرو الداني في التيسير " اعلم أنهما – أي الهمزتين – إذا اتفقا بالفتح نحو {ءأنذرتهم} و {ءأنتم} و {ءأسجد} وشبهه فإنّ الحرمين وأبا عمرو وهشاماً يسهّلون الثانية منهما وورش يبدلها ألفاً والقياس أن تكون بين بين". أقول: يتضح من هذا النصّ أنّ وجه التسهيل هو الأقوى قياساً إلاّ أنّ وجه الإبدال هو الأشهر رواية وعليه قدّم وجه الإبدال على التسهيل. قال العلامة المارغني في رسالته الأوجه المقدّمة عند القراء: " ووجهه: أنّ الإبدال أقوى من جهة الرواية و أبلغ في تخفيف الهمز من التسهيل. وإنّما وجب المدّ الطويل قي ذلك ليكون النطق بالهمزة معتدلاً وليكون مسوّغاً لاجتماع الساكنين على غير حده، ومن ثمّ سماه بعضهم "مد العدل " فالمد فيه قائم مقام الحركة قيكون الساكن الأوّل في حكم المتحرّك ..... ثمّ إنّ الإبدال مع كونه مأثوراً عن ورش في روايته، متواتراً في قراءته، هو منقول عند العرب وفاش في كلامهم، فمن نازع فيه أو غلّط قارئه فهو مكابر أو جاهر أو فاجر " انتهى كلامه عليه رحمة الله تعالى. أقول وهو ظاهر كلام الشاطبي رحمه الله تعالى (وقل ألفاً عن أهل مصر تبدلت ..... لورش وفي بغداد يُروى مسهلا). فأشار على وجه التسهيل بصيغة المبنيّ للمجهول دلالة على عدم شهرته مقارنة مع وجه الإبدال.

أكتفي بهده المسائل، وسأذكر غيرها إن شاء الله تعالى كلّما جمعت قسطاً منها، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحيى شريف الجزائري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير