تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى: "واختلفوا في (فرق) من سورة الشعراء من أجل كسر حرف الاستعلاء وهو القاف فذهب جمهور المغاربة والمصريين إلى ترقيقه وهو الذي قطع به في التبصرة والهداية والهادي والكافي والتجريد وغيرها وذهب سائر أهل الأداء إلى التفخيم وهو الذي يظهر من نص التيسير وظاهر العنوان والتلخيصين وغيرها وهو القياس ونص على الوجهين صاحب جامع البيان والشاطبية والإعلان وغيرها. والوجهان صحيحان إلا أن النصوص متواترة على الترقيق.

وحكى غير واحد عليه الإجماع وذكر الداني في غير التيسير والجامع أن من الناس من يفخم راء (فرق) من أجل حرف الاستعلاء قال والمأخوذ به الترقيق لأن حرف الاستعلاء قد انكسرت صولته لتحركه بالكسر انتهى. والقياس إجراء الوجهين في (فرقة) حالة الوقف لمن أمال هاء التأنيث ولا أعلم فيها نصاً والله أعلم."

أقول: إنّ قياس ترقيق الراء {فرقة} لمن أمال هاء التأنيث على ترقيق الراء في {فرق} فيه نظر لعدّة أسباب:

أوّلاً: لم يرد نصّ على ذلك لقول ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى:" ولا أعلم فيها نصاً "

ثانياً: لم يثبت بالأداء عن ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى ولا عن من سبقوه من أهل الأداء إذ لو قرأ به لصرّح بذلك.

ثالثاً: لعلّه اعتمد على أصل وهو جواز ترقيق راء {فرق} لأجل كسر القاف، ولكن هل يثبت أصل معتبر على أساس حكم ثابت في لفظ واحدة؟ إذ لم تُرقق الراء لأجل كسر حرف الاستعلاء بعدها إلاّ في {فرق}، ولو تعدّد الحكم في أكثر من موضع لصار بذلك أصلاً يُعتمد عليه بخلاف ما إذا انفرد الحكم في موضع واحد. إضافة إلى ذلك أنّه لا غموض في المسألة حتّى يعتمد على أصل يُقاس عليه.

رابعاً: ليس هناك أيّ ضرورة أو حاجّة مآسّة لترقيق الراء في {فرقة} لمن أمال القاف.

خامساً: لا شك أنّ الممال أقوى من المكسور والدليل على ذلك أنّ المكسور هو في أدنى مراتب التفخيم لانخفاض الفكّ السفليّ إلى أدنى درجاته خلافاً للممال، وبالتالي فلا يمكن أن يقاس الفرع بالأصل لاختلاف السبب، وهو وجود فارق بين الكسر والإمالة، ومن شروط القياس اتفاق الأصل والفرع في العلّة والسبب.

سادساً: قد سألت أحد كبار المشايخ عن علّة اعتماد ابن الجزريّ على القياس في {فرقة} مع عدم ثبوته بالنصّ والأداء، وعدم وجود أيّ سبب أو حاجة إلى ذلك فأجاب حفظه الله تعالى بأنّ عدم ورود نصّ لا ينفي العمل بالقياس مستدلاً بما ذكره ابن الجزريّ في نشره في إثباته لوجه السكت بين الأنفال وبراءة مع عدم ورود نصّ في ذلك. أقول: في جوابه هذا نظر، وما استطعت الاعتراض عليه إجلالاً وتقديراً له. كون وجه السكت بين الأنفال وبراءة ثابت بالأداء، فقد قرأ به ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى على بعض مشايخه فقال: " فأمّا السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم وليس هو منصوصاً عليهم ". وقد رُوي عن حمزة حيث قال ابن الجزري: " وقد حكى أبو علي البغدادي في روضته عن أبي الحسن الحمامي أنّه كان بأخذ بسكتة بينهما لحمزة لوحده ". وقد قوّاه ابن الجزريّ بالقياس فقال: " وإذا أخذ عن حمزة بالسكت بين الأنفال وبراءة فالإخذ به عن غيره أحرى " انظر النشر 1/ 269. وسبب ذلك أنّ السكت إذا ثبت عن الواصلين بين السورتين فيكون للفاصلين والساكتين من باب أولى لأنّ الوصل في مقابل الوقف والسكت. وعلى ما سبق يتبيّن أنّه لا يمكن مقارنة حكم السكت بين الأنفال وبراءة بحكم ترقيق الراء في {فرقة} لثبوت السكت بالأداء والرواية عن حمزة وبالقياس الذي يرتكز على أصل وثيق وهو ثبوت السكت بين السورتين عند ورش والبصري وابن عامر ويعقوب وثبوته عن حمزة بين الأنفال وبراءة من طريق الحمامي، خلافاً لترقيق الراء في {فرقة} حيث لم يُشر إلى ذلك واحد من أهل الأداء وأوّل من قال بذلك هو ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير