تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[04 Apr 2008, 10:41 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

أعتماد أئمّتنا على النصوص بالدرجة الأولي:

من خلال ما تعرّضنا إليه في المسائل السالفة الذكر يظهر ظهوراً جلياً مدى اعتماد أئمّتنا على النصوص حيث اعتبروها أصلاً أساسياً في إثبات صحّة الأوجه التي تلقّوها عن مشايخهم أداءً، بل كانوا يعتبرون الوجه الثابت عندهم بالأداء دون النصّ علّة وإن لم تكن قادحة إلاّ أنّهم احتاجوا إلى أصل وثيق معتبر يقوّي ذلك الوجه ليصير قوياً من جهة الأداء بالقياس، وما كانوا يعتمدون على المشافهة بمفردها أبداً وسأذكر بعض النصوص في ذلك:

قال الداني عليه رحمة الله تعالى: " مع الإعلام بأنّ القراءة ليست بالقياس دون الأثر" (جامع البيان ص172). وقال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى: " ومنهم من علم العربية، ولا يتّبع الأثر والمشايخ في القراءة، فلا تُنقل عنه الرواية لأنّه ربّما حسنت له العربيّة حرفاً ولم يقرأ به، والرواية متّبعة والقراءة سنّة يأخذها الآخر عن الأوّل" منجد المقرئين ص53. أقول: فالأثر هو ما أُثِر عن السلف، فيُطلق على أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم من سلف الأمّة فهي نصوص وأقوال أسندت إليهم، ولو كانت المشافهة داخلة في مضمون النصوص لما فرّق أئمّتنا بين النصّ والأداء. فإن قيل إنّ النصّ أصله المشافهة. الجواب مشافهة السلف لمشايخهم تختلف عن مشافهة الخلف لمشايخهم لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام " خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم " فكما أنّ الحديث لم يُدوّن في البداية لأنّه كان محفوظاً في الصدور وفي مأمن من الضياع، فلمّا ضعفت الهمم وقلّ أهل الضبط والحفاظ للحديث اضطرّ العلماء إلى تدوين الحديث خشية ضياعه وكان ذلك بأمر من ولاة أمر المسلمين. وما دوّن القرءان إلاّ بعد ما استحرّ القتل بقراء القرءان في واقعة اليمامة فأمر خليفة المسلمين الصديق رضي الله عنه بجمع القرءان. وبذلك صار المدوّن من القرءان وهي المصاحف العثمانية أصلاً وركناً يوزن به المقروء من القرءان، وصارت كتب السنّة معياراً ومصدراً للتصحيح والتنقيح والتحقيق، وصارت نصوص أئمّة القراءة معياراً وأصلاً وثيقاً في إثبات صحّة الوجه المقروء به. ولو ترك العلم من غير تدوين لذهب واندثر. ولو كان العلم بما فيه قراءة القرءان مقتصرة على التلقّى من أفواه المشايخ لما حمل القدامى على التدوين ونقل الآثار والنصوص عن من سبقهم.

قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى:

وما بعده كسرٌ أو اليا فما لهم ........ بترقيقه نصّ وثيق فيمثلا

قد استدلّ الإمام الشاطبيّ على منع ترقيق الراء إذا جاء بعدها كسر أو ياء بعدم ورود نصّ وثيق يُثبت صحّته، فاشترط ثبوت نصّ وثيق، والمراد بالوثيق هو النصّ المعتبر عند الأئمّة مما كان مضمونه مشهوراً متلقى بالقبول إذ ترقيق الراء في ذلك ثابت ولكن مجرّد ثبوته لا يعني صحّته لانفراد بعض أهل الأداء به مخالفين لما استفاض عند غيرهم من جماهير أهل الأداء. فالشاهد من كلام الشاطبيّ رحمه الله تعالى أنّه لم يشر إلى التلقي أو إلى عدم ثبوت الترقيق من جهة الأداء بل أشار إلى عدم ثبوته بالنصّ الوثيق في ذلك. وهذا دليل على ارتكاز هذا العلم على النصوص بالدرجة الأولى.

وقد نقل أبو عمرو الداني في جامع البيان ص224 كلام أبي طاهر في كتاب الفضل بين أبي عمرو والكسائي عند بيانه لحكم التقاء الهمزتين من كلمتين في نحو {سوء أعمالهم} فذكر وجه إبدال الثانية واواً مفتوحة ثمّ نقل وجهاً وهو تسهيلها بين بين، قال: " قال – أي أبو طاهر – ولم أجد في كتاب من الكتب المنقولة عن أبي عمرو من جهة اليزيدي ولا غيره." أقول: فما استدلّ بالمشافهة بل ردّ الوجه لعدم ثبوته في الكتب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير