تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الإمام مكي القيسي في كتابه: تمكين المدّ في (آتى) و (آمن) و (آدم) وشبهه. وهو كلام يُكتب بماء الذهب، قال عليه رحمة الله تعالى في ردّه على من منع تمكين المدّ في البدل لورش من طريق الأزرق: " لكنا نقول: إنّ المدّ قد نُقل قراءةً ونصاً في الكتب، وتركُ المدّ نُقل قراءةً لا غير وليس عليه نصّ في كتاب أحد. والرواية إذا أتت بالنصّ في الكتب والقراءة، كانت أقوى وأولى من رواية لم تُنقل في كتاب الله ولا صاحبها نصّ. وما نُقل بتلاوة ولم يُؤيّده نصّ كتاب، فالوهم والغلط ممكن ممّن نقله، إذ هو بشر. وإنّما تعلّق القرّاء بنصوص الكتب، لأنّه عندهم أثبت في الحفظ، لأنّ الحفظ يدخله الوهم والشكّ، فليس رواية يصحبها النقل والنصّ في الكتب من تأليف المتقدّمين والمتأخرين، مثل رواية لا يصحبها غير أن يقول ناقلها: كذلك قرأت ولا يدخل قوله بنصّ كتاب " انتهى كلامه ص36،37.

أقول: كلامه رحمه الله تعالى يدلّ على:

1 – ارتكاز هذا العلم على النصّ بالدرجة الأولي

2 – ثبوت الوجه بالنصّ والأداء أولى وأعلى مرتبة من الوجه الثابت بالأداء دون النصّ

3 – احتمال دخول الوهم والخطأ في الوجه الذي لم يصاحبه نصّ وثيق، فيكون بذلك مفيداً للظنّ ولا يُخرجه من ذلك إلاّ إذا استفاض واشتهر وتلقاه أهل الأداء بالقبول فيصير من المقطوع به.

4 – ذمّ من يستدلّ بالتلقّي من غير نصّ كما قال " مثل رواية لا يصحبها غير أن يقول ناقلها: كذلك قرأت ولا يدخل قوله بنصّ كتاب ".

أقول: وللأسف فإنّ أكثر المشايخ الآن يستدلوّن بالتلقّى المجرّد عن النصّ مع كونه مذموماً عند الأئمّة، فإن كان مذموماً فكيف بمن يخالف النصوص وإجماع أئمتنا على أساس ما تلقاه عن مشايخه؟ والأدهى من ذلك أنّهم يصرّحون بهذا الشعار وهو " كل يقرأ بسنده ما دام شيخه قد أجازه على ذلك "، أو قولهم: " الاعتبار الصحيح هو الاعتماد على ما هو مقروء به اليوم "، فأين كلام الإمام مكي القيسي من هذا الشعار الذي يخالف أساليب ومناهج أئمتنا في نقلهم للقرءان الكريم. ولأجل ذلك وجب علينا وعلى من يتصدّر للإقراء أن يعيد النظر في منهجيّته وأن يسلك سبل أئمّتنا ليكون وافياً للمطلوب ومحققاً للمرغوب.

وقد ذمّ إمام الفنّ ابن مجاهد من يعتمد على المشافهة والسماع والحفظ من غير دراية بما يقرأ فقال رحمه الله تعالى في مقدّمة كتابه السبعة: " ومنهم من يُؤدّي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلاّ الأداء لما تعلّم، لا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ فلا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده فيُضيّع الإعراب لشدّة تشابهه وكثرة فتحه وضمّه وكسره في الآية الواحدة، لأنّه لا يعتمد على علم بالعربية ولا بصر بالمعاني يرجع إليه، وإنّما اعتماده على حفظه وسماعه، وقد ينسى الحافظ فيضيع السماع وتشتبه عليه الحروف – أي وجوه القراءات – فيقرأ بلحن لا يعرفه، وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره و يُبرّئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدّقاً فيُحمل ذلك عنه، وقد نَسيَهُ وَوَهمَ فيه وجسر على لزومه والإصرار عليه. أو يكون قد قرأ على من نسيَ وضيّع الإعراب ودخلته الشبة فتوهّم، فذلك لا يقلَّد القراءة ولا يُحتجّ بنقله " انتهى كلامه (السبعة ص45،46).

أقول: كلام الإمام يدلّ على ذمّ من يعتمد على الأداء والسماع المجرّد عن العلم والدراية، لأنّ إهمال النصوص وعدم إعمالها ينافي الدراية والعلم بالمقروء به. فالاعتماد على السماع والأداء المجرّد عن النصّ قد يؤدّي إلى النسيان والوهم والاضطراب لا سيما إذا اختلف المشايخ في أداء وجه ممن يجعل الطالب في حيرة فيختلط عليه الأمر وتشتبه عليه الأوجه فيقع في الخطأ ثمّ يٌقرئ غيره به وينسبه إلى غيره، ويُبرّئ نفسه فيتغيّر الأداء هن جيل إلى جيل ويظنّ المتأخرون أنه من المقطوع به لثبوته عندهم بالأداء.

قال مكيّ القيسي في الرعاية " القرآء يتفاضلون في العلم بالتجويد: فمنهم من يعلمُه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير