تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أوّلاً: قلّة المهرة الضابطين الجامعين بين الرواية والدراية: فإنّ أكثر طلبة العلم يحضرون مجالس الإقراء وما يستفيدون من الشيخ إلا مجرّد التلقّي والقراءة من غير أي دراسة ومدارسة فيأخذ الإجازة والسند ثمّ ينصرف وما استفاد من الناحية العلمية إلاّ اليسير. وعند وصوله إلى بلدته يظنّ أنّه متأهّل للتدريس والإقراء فيتصدّر لذلك فتأتيه الجماهير للقراءة عليه يريدون الإجازة فيُجيزهم فيضطر إلى التدريس والخوض في المسائل فيُغلطُ نفسه وغيره ممن قرءوا عليه.

ثانياً: عدم التطابق بين قراءة التلميذ وقراءة الشيخ وسببه أنّ التلميذ لا يسمع من الشيخ قبل أن يقرأ كما كان يفعل سلف الأمّة، إضافة إلى تفاوتهم في الهمّة والعلم والدليل على ذلك أنّك تجد تفاوتاً كبيراً بين التلاميذ الذين قرءوا على شيخ واحد. مثاله ما أخبرني به أحد أعلام هذا العصر أنّ الشيخ أبو الحسن الكردي والشيخ محمد سكر قرءا على شيخ واحد وهو الشيخ محمود فايز الدير عطاني رحمه الله تعالى في مجلس واحد فكان أحدهما يقرأ صفحة من المصحف على الشيخ والثاني يستمع ثمّ يقرأ الثاني نفس الصفحة والأوّل يستمع وهكذا حتّى ختما القرءان بالقراءات العشر، فكان من المعقول أن تتطابق قراءة الشيخ الكردي مع قراءة الشيخ سكر، إلاّ أنّ الواقع مناف لذلك حيث تمتاز قراءة أحدهما عن الأخرى في بعض الأمور، ثمّ امتاز تلاميذ كلّ شيخ منهما على نحو امتياز الشيخين لذا يقال اليوم في دمشق: أنّ المدرسة الكردية يختلف أداءها قليلاً عن المدرسة السكرية وقد لاحظت ذلك عندما كنت في دمشق، بل يمكنك بمجرّد سماع القراءة أدراك أيّ مدرسة ينتمي إليها القارئ. فانظر أخي العزيز إلى وجود اختلاف في أداء شيخين قرءا على شيخ واحد في مجلس واحد. أقول: إن وقع ذلك بين شيخين عُرفا بالبراعة في هذا الفنّ فما بلك بمن دونهما في المنزلة أو بمن انفرد بقراءته على شيخ إضافة إلى طول سلسلة الإسناد فلا شكّ أنّ نوعية المشافهة تتغيّر شيئاً فشيئاً إذا لم استُدركت بالنصوص والآثار، وهذا ما فعله أئمّتنا عندما اشتكوا قلّة المهرة من أهل الأداء ممّا جعلهم يضطرون إلى التدوين ٍ وقد ذكر أبو عمر الداني (ت444) في وقته قلّة المهرة من أهل الأداء حيث قال في مقدمة كتابه التحديد " أمّا بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قرّاء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة ...... " التحديد ص66. وقال القرطبي (ت461) " ولمّا رأيت من قرأة هذا الزمان وكثيراً من منتهيهم قد أغفلوا اصطلاح ألفاظهم من شوائب اللحن الخفيّ وأهملوا تصفيتها من كَدَرِهِ وتخلّصها من دَرَنِهِ ..... " الموضح ص54. أقول: هذه أدلّة صريحة تدلّ على:

- أنّ مجرّد المشافهة من الشيخ لا يضمن سلامة الأداء

- ضرورة الاعتماد على المأثور في ضمان سلامة الأداء

- تقويم التلقي بالاعتماد على النصوص

ثالثاً: طول سلسلة الأداء: قال المرعشيّ عليه رحمة الله تعالى " .... لكن لما طالت سلسلة الأداء تخلل أشياء من التحريفات في أداء أكثر شيوخ الأداء، والشيخ الماهر الجامع بين الرواية والدراية المتفطّن لدقائق الخلل في المخارج والصفات أعزّ من الكبريت الأحمر، فوجب علينا أن لا نعتمد على أداء شيوخنا كلّ الاعتماد، بل نتامّل فيما أودعه العلماء في كتبهم من بيان المسائل هذا الفنّ، ونفيس ما سمعنا من الشيوخ على ما اودع في الكتب، فما وافق فهو الحقّ، وما خالفه فالحق ما في الكتب. انتهى كلامه " بيان جهد المقل ص 18 في هامش جهد المقل تحقيق أبوعاصم حسن بن عباس بن قطب طبعة مؤسسة قرطبة. أقول: إن وقع خلاف في الأداء بين شيخين قرآ على شيخ واحد فالخلاف في الأداء عبر القرون يتغيّر لا محال إن لم يعتمد أهل الأداء على النصوص والأصول. قد يقول القائل: قد لا يتغيّر الأداء إذا كان جميع رجال الإسناد مهرة. أقول: حتّى وإن كان جميعهم مهرة فإنّ الخلاف سيقع إذا لم يعتمدوا على النصوص والأصول، خاصّة إذا أدخلوا الاجتهاد في القراءة كما في مسألة الفرجة في الميم الساكنة والإقلاب حيث انفرد بها العلامة الشيخ عامر رحمه الله وهو من هو فتغيّر الأداء مع وجود المهرة في الإسناد، والقائلون بترقيق راء {ونذر} وهم تلامذة الشيخ الزيات رحمه الله وتعالى والشيخ الزيات ما قرأ وما أقرأهم بذلك مع كونهم مهرة في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير