والذي يفسر ما قاله الداني العلامة " ابن معاذ الجهيني الأندلسي (ت442) في كتابه " البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان " تحقيق د/ غانم قدوري، وقد ذكر د/ غانم قول الداني في ابن معاذ:" هو ابن خال أمي " يعني القرابة واضحة بينه وبين الداني، قال ابن معاذ في باب الياءات بعد أن أورد أمثلة المحذوف في الوصل للساكنين مع رسمها في المصحف في مثل:يؤتي الحكمة وءاتي .. وأشباهها قال: وما كان مثل هذا تصل بغير ياء ويوقف عليه بالباء وكذلك رسمت في المصحف بياء إلا في ثلاثة عشر حرفا من هذا الباب فإنك تقف بغير ياء وتصل بغير ياء وليس بين أمثلته " يستحي ـ ويحي "
وقال أيضا: فإن سقطت الياء لجازم دخل علي الفعل الذي هي فيه غما للشرط او لجوابه، أو للأمر أو لم وأخواتها أو للنهي، أو ماعطف علي ذلك لم تَرُدَّ الياء في الوقف، لأنها سقطت للجزم نحو: وليتق، لا تغن .. وأشباهها " ثم قال: فإن سكنت الياء ولقيها تنوين سقطت في اللفظ لسكونها وسكون التنوين فإذا وقفت لم تَرُدَّها وهي كذلك في المرسوم أعني بالحذف نحو " ناج، هاد واق ... وأشباهها " والخلاف في بعض الألفاظ لابن كثير كما هو معروف لكن ما يهمنا أنه لم يذكر " يستحي، ويحي "
والذي نقله الملا علي القارئ عن الداني بأنه مذهب نحاة كان في مثل هذه الأمثلة السابقة، ولم يذكر فيها " يحي " بل وحصر المواضع، فلا يُستدل هنا ب" يحي " وتعميم الكلمات من فهم الملا علي القارئ ـ رحمه الله ـ
والنقطة الثانية: بطلان قياس " يقض الحق " علي " يحي الموتي" ـ أي بعد " يحي" ساكن ـ.
لماذا لا يتفق القياس؟؟
أولا: لاختلاف المسألتين، " يقض الحق " مرسومة لتوافق القراءتين " يقص الحق" بالصاد وبالضاد كما سبق، ولا يوقف علي قراءة الصاد بالياء، هذه من جهة.
وثانيا: أن " يحي" حذفو ياءها كراهة توالي الأمثال ـ أي كراهة أن يتوالي حرفان مباشرة في الكلمة ـ كما حذفوا الواو من " داود " لهذا السبب، واستثنوا من ذلك ما سبق ذكره للداني.وأجمله الشاطبي في قصيدته:
184) إلاَفِهِم واحذِفُوا إحداهما كوَرَءْياً خاطئين والأُمِّيِّيْنَ مُقْتَفِرَا
185) مَنْ حَىَّ يُحْيِى ويَستحْىِ كذاك سِوَى هيِّئْ يُهيِّئ وعَلِّيِّيَن مُقْتَصَرَا
186) وذي الضميرِ كيُحييكم وسيئةٍ فى الفرد معْ سيئاً والسَّيِّئِ اقتُصِرَا
187) هيأ يهيأ مع السَّيِّأْ بها ألِفٌ معْ يائها رَسَمَ الغازى وقد نُكِرَا ............
وقول الملا علي القارئ حيث ذكر قاعدة عظيمة في باب الوقف: " فالتحقيق ما قاله المكي حيث لا ضرورة في العدول عن الدراية من غير ثبوت الرواية "
وقال صاحب دليل الحيران: .. ولا فرق بين ترجيح حذف الياء الثانية بين أن تكون أصلية أو زائدة، ولا بين أن يكون بعدها متحرك أو ساكن .. ثم مثل بـ (يحي ويميت ـ يحي الله) ص270
ثم قال بعدها: وهذا الوجه ـ يقصد به حذف الثانية ـ المرجح الذي جري عليه العمل عندنا، وعليه فتلحق الياء الثانية بالحمراء إذا وليها متحرك، وأما إذا وليها ساكن فلا تلحق) ا. هـ
إذن هي في جميع الأحوال محذوفة الياء رسما سواء كان بعدها متحرك أو بعدها ساكن.
إن وقف القارئ علي الكلمة عند الضرورة، فماذا يفعل؟؟
قال السمين الحلبى في الدر المصون: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى}
وقرأ العامَّةُ أيضاً "بقادرٍ" اسمَ فاعلٍ مجروراً بباءٍ زائدةً في خبرِ "ليس". وزيدُ بن علي "يَقْدِرُ" فعلاً مضارعاً. والعامَّةُ على نصب "يُحْيِيَ" بـ"أَنْ" لأنَّ الفتحةَ خفيفةٌ على حرفِ العلةِ. وقرأ طلحةُ بن سليمان والفياض بن غزوان بسكونها: فإمَّا أَنْ يكونَ خَفَّتَ حرفَ العلةِ بحَذْفِ حركةِ الإِعرابِ، وإمَّا أَنْ يكونَ أجرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ.
(14/ 193)
وجمهورُ الناسِ على وجوبِ فَكِّ الإِدغامِ. قال أبو البقاء: "لئلا يُجْمَعَ بين ساكنَيْن لفظاً أو تقديراً". قلت: يعني أنَّ الحاءَ ساكنةٌ، فلو أَدْغَمْنا لسَكَنَّا الياءَ الأولى أيضاً للإِدغام فيَلْتقي ساكنان لفظاً، وهو مُتَعَذَّرُ النطقِ، فهذان ساكنان لفظاً. وأمَّا قولُه: "تقديراً" فإنَّ بعضَ الناسِ جوَّز الإِدغامَ في ذلك، وقراءتُه "أَنْ يُحِيَّ" وذلك أنه لَمَّا أراد الإِدغامَ نَقَلَ حركةَ الياءِ الأولى إلى الحاء، وأدغمها، فالتقى ساكنان: الحاءُ - لأنها ساكنةٌ في التقدير قبل النقلِ إليها - والياءُ؛ لأنَّ حركتَها نُقِلَتْ مِنْ عليها إلى الحاءِ، واستشهد الفراءُ لهذه القراءةِ: بقوله:
................... * تَمْشِي لسُدَّةِ بيتها فَتُعِيُّ
وأمَّا أهلُ البصرةِ فلا يُدْغِمونه البتةَ، قالوا: لأنَّ حركةَ الياءِ عارضةٌ؛ إذ هي للإِعرابِ. وقال مكي: "وقد أجمعوا على عَدَمِ الإِدغامِ في حالِ الرفع. فأمَّا في حالِ النصبِ فقد أجازه الفراءُ لأجلِ تحرُّك الياء الثانيةِ، وهو لا يجوزُ عند البَصْريين؛ لأنَّ الحركةَ عارضةٌ" قلت: ادعاؤُه الإِجماعَ مردودٌ بالبيتِ الذي قَدَّمْتُ إنشاده عن الفراءِ، وهو قوله: "فَتُعِيُّ" فهذا مرفوعٌ وقد أُدْغِمَ. ولا يَبْعُدُ ذلك؛ لأنَّه لَمَّا أُدْغِم ظهرَتْ تلك الحركةُ لسكونِ ما قبل الياءِ بالإِدغام.))
وقوله: وقرأ طلحةُ بن سليمان والفياض بن غزوان بسكونها: فإمَّا أَنْ يكونَ خَفَّتَ حرفَ العلةِ بحَذْفِ حركةِ الإِعرابِ، وإمَّا أَنْ يكونَ أجرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ.)) فهذا التعليل دال علي أنه يثبت الياء وقفا علي قراءة طلحة والفياض ويحذفها وصلا، لأنه أجراه في الوصل مجري الوقف وحذفها للساكنين دل علي أنهم لم يكونوا يحذفون الياء وقفا، وهكذا يقاس عليها نظائرها. وهذا مع ما تقدم من الأدلة.والله أعلم
والخلاصة: أن كلمة " يحي" رسمت بياء واحدة سواء كان بعدها محرك أو ساكن، مثل كلمة " يستحي " وكما يوقف في يستحي " بيائين كذا يوقف علي "يحي" وكلمة يحي " بعدها محرك يوقف بياءين، ولا فرق بينها وبين ما بعدها ساكن. والله أعلم
وفي هذا القدر كفاية. هذا ما من الله به علينا وأسأل الله لنا ولسائر المسلمين السلامة من كل إثم وأن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل آمين.
والحمد لله رب العالمين
أبو عمر عبد الحكيم