ولنختم هذه الدراسة بترجمة آخر مقرئ بالجزائر هو العلامة علي ابن الحفاف المفتي المالكي بالجزائر في عهده:
هو علي بن عبد الرحمن بن محمد المدعو ابن الحفاف، أخذ عن كثير من علماء عهده أدركه الاحتلال الفرنسي في ريعان الشباب، فالتحق بجيش الأمير عبد القادر، لما كان مرابطا بمليانة فعينه الأمير كاتبه الخاص، وحينئذ أصدر فتواه الشهيرة التي حكم فيها على كل العلماء الذين لم يهاجروا من مدينة الجزائر بالكفر، ورد عليه الشيخ محمد ابن الشاهد مبينا ظروف كثير من علماء البلاد - أي مدينة الجزائر- الذين لم تساعدهم ظروفهم الخاصة على مغادرة البلدة، وجواب ابن الشاهد هذا يعد من أهم الوثائق الأصيلة في تاريخ الاحتلال، ذهب مترجمنا علي بن الحفاف إلى الحج سنة 1280هـ واجتمع بالعلامة الشيخ دحلان مفتي السادة الشافعية بمكة المكرمة، ودار بينهما نقاش في حكم قراءة البسملة في الفاتحة في الصلاة، وبعد رجوعه ألف رسالة في الموضوع سماها: "الدقائق المفصلة في تحرير آية البسملة" هذه فقرات منها: ((الحمد لله الذي فتح أقفال قلوب العلماء بدقائق الأنظار، وادخر للأواخر منهم دقائق رقائق الأفكار، وأمد الجميع بنور منبع الأنوار ... )) إلى أن قال: ((وبعد فإنه لما منّ الله على العبد الحقير، بالوصول إلى الحرم الشريف و اتفق الاجتماع بالعلامة الشيخ سيدي دحلان مفتي السادة الشافعية وأنجز الكلام على البسملة…الخ)).
كان تاريخ هذه الرسالة في 26 جمادى الثانية 1286هـ، وذيل هذه الرسالة برد على رسالة كتبها في الموضوع الشيخ عليش إمام المذهب المالكي بالأزهر أيد بها نظرية دحلان، وإلى ذلك أشار علي ابن الحفاف بقوله: ((وذيلت "الدقائق المفصلة في تحرير آية البسملة" بما ورد على من بعض فضلاء مصر وهو العلامة الشيخ محمد عليش الذي استدل بكلام الشيخ الأمير المنقول من تأليفه "ضوء الشموع على شرح المجموع" وقد رده مترجمنا ولم يسلمه)).
ترك مترجمنا علي بن الحفاف تأليفا ضخما قيما في القراءات سماه "منة المتعال في تكميل الاستلال" تناقله المقرئون والطلاب، وواظب مدة حياته على تدريسه استهل تأليفه المذكور بقوله: ((الحمد لله الذي شرفنا بتلاوة كتابه وتفضل علينا بخدمته وفهم خطابه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد أفضل من بلغ الكتاب، وأشرف من بعث بفصل الخطاب، وعلى آله وذريته والأصحاب، وبعد فيقول العبد الفقير، المعترف بالعجز والتقصير، علي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن الحفاف الجزائري أصلا ومنشأ، لما كان "غيث النفع" للشيخ سيدي علي النوري خاليا من الاستدلال بكلام الإمام أبي القاسم الشاطبي وكان "إنشاد الشريد" للشيخ سيدي محمد بن غازي مقتصراً على ضوال القصيد، أردت أن أجعل تأليفا مشتملا على تمام الاستدلال بما في المحل مع زيادة ما يسره الله، قاصداً وجه الله لنفع الإخوان، معترفا بأني لست من فرسان الميدان، مرتكبا طريقة سيدي علي النوري، مشيراً باللام للإمالة، وبالصاد للإدغام الصغير، وبالكاف للكبير وسميته "منة المتعال في تكميل الاستدلال"، والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله إنه سميع مجيب)).
وقال في ختامه: ((قد تم كتاب منة المتعال في تكميل الاستدلال في القراءات السبع علي يدي كاتبه ومؤلفه المعترف بذنبه وبتقصيره وبعجزه، عبد ربه علي بن عبد الرحمن بن محمد بن امحمد المدعو الحفاف -الجزائري أصلا ومنشأَ - كان الله له وللمسلمين. وذلك بتاريخ اليوم الثامن من جمادى الأولى سنة تسعة وثمانين ومائتين وألف من هجرة من له المجد والشرف صلى الله تعالى وعلى آله وسلم تسلميا)).
توفي ابن الحفاف كما سبق لنا ذكره سنة 1307هـ، وكان من جملة مترجميه الشيخ بيرم الخامس صاحب الرحلة "صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار" اجتمع به عند زيارته للجزائر فقال: ((ومن الأخيار الذين اجتمعت بهم ومنحوني فضائل أخلاقهم النحرير العالم الشيخ علي بن الحفاف المفتي المالكي بقاعدة الجزائر وهو من تلامذة علامة القطر الإفريقي الشيخ إبراهيم الرياحي، كما أخبرني بذلك عن نفسه، وله فضائل كاملة وتقوى وسكينة واطلاع وسعة في الفقه والحديث…الخ)).
أما تأليفه المذكور فهو يحتوي على 467 صفحة، كل صفحة تحتوي على 27 سطراً، وكل سطر يشمل 14 كلمة.
عن مجلة المسجد ع 8 بتصرف يسير.
ـ[د. يحيى الغوثاني]ــــــــ[05 May 2007, 07:22 م]ـ
ومن علماء القراءات الذي لا زالوا أحياء في الجزائر
وقد زرتهم وتشرفت بالقراءة عليهم والاستجازة منهم:
العلامة المقرئ الشيخ معمر بن هني بن الصغير الوهراني ولعلي أعود لترجمته قريبا إن شاء الله
فقد تجاوز الثمانين