وفي بيان هذا النوع من القراءات قال ابن الجزري (فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه وإن كان إسنادها صحيحًا فلا تجوز القراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها) [4، ص16 - 17].
قلت والسبب في عدم جواز القراءة بها مع صحة السند لأنها لم تبلغ درجة التواتر إن كل قراءة وافقت العربية وخالفت الرسم، صح سندها أم لم يصح فهي شاذة. أما القراءة التي تخالف العربية بكل لهجاتها فلا توصف بأنها قراءة بل تعتبر ضربًا من ضروب الوضع والاختلاق [27، ص31].
وفيه يقول ابن الجزري (ولا يصدر مثل هذا إلا على وجه السهو والغلط وعدم الضبط، ويعرفه الأئمة المحققون والحفاظ الضابطون وهو قليل جدًا بل لا يكاد يوجد وقد جعل بعضهم منه رواية خارجة عن نافع (وجعلنا لكم فيها معائش) بالهمز [الأعراف: 10] [10، ص16]، وقد حكم ابن مجاهد بغلط هذه الرواية فقال (هو بالياء من غير همز ولا مد لكل القراء وشذ خارجة فرواة عن نافع بالهمز وهو ضعيف جدًا بل جعله بعضهم لحنًا) [28، ص278].
النوع الثالث: القراءات المدرجة:
المقصود بالإدراج، الإدخال والتضمني، مشتق من مادة (د ر ج) تقول أدرجت الشيء في الشيء بمعنى أدخلته فيه [1، ج2، ص275] و [3، ج1، ص962].
أما معناه في اصطلاح القراء: أن يزاد في الكلمات القرآنية على وجه التفسير [9، ج1 ص243]، فيزاد في الآية كلمة أو أكثر، ويسمى تساهلاً بأنه قراءات، ومن أمثلته:
· قراءة ابن مسعود ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات)) [المائدة: 89] بزيادة ((لفظ متتابعات)) [29، ج1 ص47].
· قراءة سعد ابن أبي وقاص ((وإن كان رجل يورث كلالة وله أخ أو أخت – من أمه)) [النساء: 12 بزيادة (من أمه [9، ج1 ص364].
· وكقراءة ابن الزبير (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر – ويستعينون بالله على ما أصابهم – وأولئك هم المفلحون) [آل عمران: 104] بزيادة ((ويستعينون بالله على ما أصابهم)) [27، ص31].
ولعل هذا النوع لا يوصف بأنه قراءة بل هو ضرب من التفسير والبيان للآيات.
النوع الرابع:
هو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة، وهذا النوع أضافه ابن الجزري ورده بشدة فقال: (فهذا رده أحق، ومنعه أشد ومرتكبه مرتكب العظيم من الكبائر. . . إلى أن قال: ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه، ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه [10، ج1 ص17].
يتبين من خلال عرض هذه الأنواع، أن القراءات الشاذة منها ما هو مشهور لصحة سنده وموافقته للغة ورسم المصحف يقبل في التفسير وبيان الأحكام الشرعية، واللغوية، ولا يقرأ به قرآنًا لنقصان رتبته عن درجة التواتر.
ومنها ما نقل نقل آحاد لكنه صحيح السند مقبول مثل سابقه، ومنها ماهو ضعيف السند، ولا وجه له في العربية فلا يلتفت إليه، يقول ابن الجزري مبينًا هذه المعاني في أنواع شواذ القراءات (والقسم الثاني: ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظ خط المصحف، فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين: إحداهما أنه لم يؤخذ بإجماع، وإنما أخذ أخبار الآحاد ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر واحد، والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به ولا يكفر من جحده، ولبئس ما صنع إذ جحده، قال (والقسم الثالث) هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية فهذا لا يقبل، وإن وافق خط المصحف [10، ج1 ص14].
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يوجد تناقض بين القراءات المتواترة والشاذة؟
وقد أجاب الباحثون عن القراءات بما مفاده: أنه في الغالب الأعم لا يوجد تناقض بين القراءات المتواترة والشاذة حيث إن مفهوم التناقض هو اختلاف القضيتين إيجابًا وسلبًا، مع وحدة الزمان والمكان، يكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة، وإنما الذي يوجد بين القراءات المتواترة والشاذة هو التعدد:
تارة في الصور اللفظية كقوله تعالى: "فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" المتواترة.
(فول وجهك تلقاء المسجد الحرام) الشاذة.
وتارة في وجوه المعاني كقوله تعالى "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً" المتواترة بالفاء.
(إني جاعل في الأرض خليقة) الشاذة بالقاف.
¥