يعتبر القرآن بقراءاته المتواترة والشاذة أصلاً لا يستغني عنه النحو العربي لارتباطه بالقرآن منذ نشأته الأولى.
فهذا السيوطي يقول: (أما القرآن فكل ما ورد أنه قرئ به جاز الاحتجاج به في العربية سواء كان متواترًا أم آحادًا أم شاذًا) [9، ص14 - 15].
ويقول ابن خالويه: (أجمع الناس على أن اللغة إذا وردت في قراءة القرآن فهي أوضح مما في غير القرآن) [63، ج1 ص129].
ولا شك أنه بالرغم من اختلاف النحاة واللغويين في الأخذ بالقراءات الشاذة والاستدلال بها من عدمه إلا أننا نجد تأثير القراءات في وضع القواعد النحوية، وكذا تأثيرها في اختلاف النحاة.
فنجد هناك قراءات نتجت عنها قواعد نحوية لم تكن موجودة قبل القرآن، وهناك قراءات أخرى شاركت في بناء قواعد نحوية ولغوية وصرفية، وكل هذا يدل على الأثر الكبير للقراءات في التقعيد والتأثير والإسهام [24، ص320 - 325] ولذلك وجدنا كثيرًا من النحاة واللغويين أوقفوا أنفسهم في جمع القراءات الشاذة وتوجيهها أمثال الفارسي، ومكي، وابن خالويه، والعكيري، وابن جني الذي كان محتسبه من أقوى المؤلفات في الدفاع عن القراءات الشاذة، وتصديه لكل من يُهوِّن منها [24، ص375].
أما سبب طعن بعض النحاة على بعض القراءات فيعود إلى عدم استيعابهم لأمثلتها من الأساليب اللغوية الأخرى، وكذا إلى عدم جمعهم لها والاعتماد عليها بداية في بناء قواعد اللغة فلما تم الجمع وحصل الاستيعاب مع المتأخرين أمثال أبي حيان اجتمعت الأمثلة والشواهد على نصرتها وقبولها وعدم الطعن فيها ومع هذا كله فقد كان أثر القراءة الشاذة على القاعدة النحوية محدودًا وضيقًا، فقد اشتملت القراءات الشاذة على قضايا نحوية مطردة واشتملت كذلك على بعض القضايا غير المطردة والتي شاركها فيها أمثلة نادرة من القرآن والشعر، كما اشتملت بعض القضايا الشاذة التي لا يجوز القياس عليها، فذكر النحاة أن أثر القراءات على القضايا النحوية المطردة بلغ 35 مسألة، وأثرها على القضايا غير المطردة بلغ 34 مسألة، أما النوع الشاذ الذي منعوا القياس عليه فقد بلغ 33 مسألة [62، ص123 - 124].
فمن الأمثلة التي تبين أثر القراءات الشاذة في النحو:
1 - قاعدة تقديم الحال على عاملها إذا كان ظرفًا أو جارًا ومجرورًا فهذه قاعدة غير مقبولة، لكن أجازها من النحاة الفراء والأخفش مستدلين بالقراءة الشاذة في قوله تعالى: "وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ" [الزمر: 67] بتقديم مطويات على عاملها الجار والمجرور، كما استدلوا على إثبات نفس القاعدة بقوله تعالى: "وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَْنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا" [الأنعام: 139]، بنصب خالصة وتقديمها على كلمة: "لِذُكُورِنَا" [22، ص378 - 379].
2 - مثال آخر لقراءة شاذة أيدت بها قاعدة نحوية: قوله تعالى: "لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا" [البينة: 1] بحذف النون من يكن، وقوله تعالى: "وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ" [ص: 3] برفع حين على أنه اسم لات فأيدت القراءة الأولى قاعدة جواز حذف النون من مضارع كان إذا التقى بساكن بعده [22، ص379].
كما أيد بالقراءة الثانية قاعدة حذف خبر لات وابقاء اسمها وهو عكس المشهور فيها.
وهناك قواعد كثيرة استدل بها ابن جني في المحتسب تدل على أثر القراءات الشاذة في النحو العربي مما يدل دلالة أكيدة على أن القراءات لم تكن في عزلة عن النحو ومقاصد النحاة، بل كان لها أثر يتناسب مع القدر الذي ينسب إليها من التقدير والاعتبار، ولهذا نجد انتشار هذه النوع من القراءات في المصادر النحوية واللغوية مما يوصلنا إلى الحقيقة القائلة بأن القراءات الشاذة تظل أقوى أثرًا وأجدر للاستدلال بها من شاهد شعري أو نثري لم يعرف قائله.
وبهذا يتبين أن مواقف النحاة واللغويين من القراءات الشاذة كانت مواقف علمية منهجية تتفق ومواقفهم من سائر الأساليب اللغوية، لأن بعضهم جعلها مصدرًا من مصادر احتجاجه، كما تبين أثر القراءات الشاذة في وضع قواعدهم النحوية وبناء القواعد الصرفية واللغوية التي تكشف عن لهجات العرب وأقوالهم وأشعارهم.
الخاتمة
(نتائج الدراسة)
تتضمن الخاتمة أهم النتائج التي توصل إليها الباحث وتتمثل في الآتي:
1 - إن السبب في تسميتها بالشاذ يعود لشذوذها عن الطريق الذي نقل به القرآن وهو التواتر.
¥