قال: وهذا غير معروف عن عثمان، وذلك أنَّا لا نعلم أنَّ أحداً ادَّعى أنَّ عثمان أقرأه الْقُرْآن، بل لا نَحْفَظ عنه من أحرف الْقُرْآن إلا أحرفاً يسيرة، ولو انتصب عثمان رضي الله عنه لأَخْذِ الْقُرْآن لشارك المغيرة في القراءة والحكاية عنه غيره، إما مِنْ أدانيه وأهل الخصوص به، وإما مِنَ الأباعد والأقاصي، فقد كان لَه من أقاربه وأدانيه من هو أمس رحماً، وأوجب حقاً من المغيرة، كأولاده وبني أعمامه ومواليه وعترته من لا يحصي عدده كثرة، وفي عدم مدعي ذلك عن عثمان الدليل الواضح على بُطول قول من أضاف قراءة عبد الله بن عامر إلى المغيرة بن أبي شهاب، ثم إلى أن أخذها المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان قراءة عليه.
قال: وبعد فإن الَّذِي حكى ذلك وقاله رجل مجهول من أهل الشام لا يعرف بالنقل في أهل النقل، ولا بالْقُرْآن في أهل الْقُرْآن، يقال له عِراك بن خالد المري، وعِراك لا يعرفه أهل الآثار ولا نعلم أحدا روى عنه غير هشام بن عمار.
قال: وقد حدثني بقراءة عبد الله بن عامر كلها العباس بن الوليد البيروتي فقال: حدثني عبد الحميد بن بكار عن أيوب بن تميم عن يحي بن الحارث عن عبد الله بن عامر اليحصبي أنَّ هذه حروف أهل الشام التي يقرؤنها.
قال: فنسب عبد الله بن عامر قراءته إلى أنها حروف أهل الشام في هذه الرواية التي رواها لي العباس بن الوليد، ولم يضفها إلى أحد منهم بعينه.
ولعله أراد بقوله: إنها حروف أهل الشام أنه قد أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقاً كثيراً.
ولو كانت قراءته أخذها كما ذكر عراك بن خالد عن يحي بن الحارث عنه عن المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن ليترك بيان ذلك إن شاء الله تعالى مع جلالة قدر عثمان، ومكانه عند أهل الشام، ليُعَرِّفهم بذلك فضل حروفه على غيرها من حروف القراء أهـ
ويجب التنبيه أنه لا يرد بهذا قراءة ابن عامر بل قول من قال أنه روى القراءة عن المغيرة عن عثمان رضي الله عنه، بل هو يصحح السند بما يزيد قوة - في نظره – حين قال: فنسب عبد الله بن عامر قراءته إلى أنها حروف أهل الشام في هذه الرواية التي رواها لي العباس بن الوليد، ولم يضفها إلى أحد منهم بعينه.
ولعله أراد بقوله: إنها حروف أهل الشام أنه قد أخذ ذلك عن جماعة من قرائها، فقد كان أدرك منهم من الصحابة وقدماء السلف خلقاً كثيراً أهـ.
وقد ناقشه السخاوي وابن وهبان في الموضعين المذكورين فمن اراد الاستزادة فليراجعهما.
وقد تأثر بقوله هذا وتابعه عليه أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم صاحب ابن مجاهد - رحمهم الله تعالى - قال: وكان ممن حفظت عنه تضعيف إسناد قراءة ابن عامر رحمه الله أبو بكر شيخنا ومحمد بن جرير.
قال: وهذان كانا علمي زمانهما، وذكر عن الطبري نحو الَّذِي ذكرته.
ثم قال: وأما أبو بكر شيخنا فإني سمعته يقول: إنما قراءة ابن عامر شيء جاءنا من الشام.
ثم قال: يعني بذلك والله أعلم أنها لم تجيء مجيء القراءة عن الأئمة التي تقوم بأسانيدها الحجة.
(نقله ابن وهبان في أحاسن الأخبار)
4 - بدأ كتابه بذكر القراء في الأمصار، وهذه الأمصار هي: الحجازان، والعراقان، والشام.
وهذه الديار هي مواطن الآثار، وهي التي خرج منها العلم أول ما خرج، كما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة وغيره.
وهذا الفصل أظن أنه كالفصل الذي ذكره ابو عبيد وسماه: فصل تسمية من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أكابر أئمة المسلمين.
وهو فصل تاريخي مهم جدا يبين لك كيف كان شأن القراءة والقراء حتى تاريخه (انظره في جهود ابي عبيد في علوم القرآن ص207).
ثم ذكر ابن جرير القراءة عن كل واحد ممن ذكره، وعدد قراءه كعدد قراء أبي عبيد حالا بحال.
وبعد أن يذكر القراءات وتوجيهها يختار منها حرفا يراه أليق بالتفسير وأقرب للمعنى.
ولم يقتصر على المشهور من القراءات بل ذكر الشاذ ايضاً، على ما نقله الأهوازي والعهدة عليه، ذلك لأن لابن جرير موقف شديد من القراءات الشاذة - المخالفة لمرسوم الخط، وليس لها حظ من الرواية – بوجوب تركها وعدم التعويل عليها.
¥