قال (وَحِصْنٌ عَنِ الْكُوفِي وَنَافِعِهِمْ عَلاَ) الكوفيون مع نافع ليس لهم رمز حرفي فجعلهم في حصن، أي أن الكوفيين إذا اتفقوا مع نافع على قراءة حرف من الحروف أو كلمة من الكلمات رمز لهؤلاء الأربعة بحصن.
(56)
وَمَهْماَ أَتَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ كِلْمَةٌ ... فَكُنْ عِنْدَ شَرْطِى وَاقْضِ بِالْوَاوِ فَيْصَلاَ
هذا البيت أيضا فيه منهجية التي رسمها لنا الإمام الشاطبي.
قال (وَمَهْماَ أَتَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ كِلْمَةٌ) يعني بالكلمات الثمانية التي ذكرها والرموز الكلمية، سواء جاءت قبل ذكره للحرف أو بعده ليس هناك مشكلة.
قال (فَكُنْ عِنْدَ شَرْطِى وَاقْضِ بِالْوَاوِ فَيْصَلاَ):
فَكُنْ عِنْدَ شَرْطِى: أي أن هذا الشرط الذي هو في موضوع الرواة والرموز.
وَاقْضِ بِالْوَاوِ فَيْصَلاَ: أي إذا رأيت الواو بعد هذا التعداد للرموز سواء كانت كلمية أو حرفية فكن عند شرطي.
فالإمام يؤكد على هذه المسألة أن الواو هو الفاصل ما بين تعداد الرموز للقراء والكلمة التي بعدها.
(57)
وَمَا كانَ ذَا ضِدٍّ فَإِنِّي بَضِدِّهِ ... غَنّيٌّ فَزَاحِمْ بِالذَّكاءِ لِتَفْضُلاَ
قال (فَإِنِّي بَضِدِّهِ غَنّيٌّ) يعني أن الإمام الشاطبي لا يريد أن يسلمنا كل شيء بالتفصيل الممل، وإنما يريد أن يذكر لنا بعض الرموز التي من خلالها إذا أَعمل الإنسان فكره وذكاءه يصل إلى المطلوب.
وَمَا كانَ ذَا ضِدٍّ فَإِنِّي بَضِدِّهِ: أي أن هناك أضداد، إذا كان الشيء مع ضده فلن يذكر الضدين بل سيذكر أحدهما، وإذا ذكر أحد الضدين حينئذ يترك للقارىء بذكاءه أي يكتشف الضد الآخر.
ولذلك كما قال العلماء: الضدية هنا فيها اضطراد وانعكاس.
قال (فَزَاحِمْ بِالذَّكاءِ لِتَفْضُلاَ) حث من الإمام الشاطبي -رحمه الله- لطالب العلم أن يزاحم بذكاءه أقرانه.
ولذلك هي قضية دعوى لإعمال الذهن والفكر في هذه المسألة، وكذلك لابد أن تستخدم العربية وتفهم قواعد وضوابط اللغة.
فأعطانا هذه الضدية:
(58)
كَمَدٍّ وَإِثْبَاتٍ وَفَتْحٍ وَمُدْغَمٍ ... وَهَمْزٍ وَنَقْلٍ وَاخْتِلاَسٍ تَحَصَّلاَ
مَدٍّ: ضده القصر.
إِثْبَات: ضده الحذف.
فَتْح: ضده الإمالة.
مُدْغَم: ضده الإظهار.
هَمْز: ضده ترك الهمز.
نَقْل: ضده عدم النقل.
اخْتِلاس: ضده إتمام الحركة.
(59)
وَجَزْمٍ وَتَذْكِيرٍ وَغَيْبٍ وَخِفَّةٍ ... وَجَمْعٍ وَتَنْوِينٍ وَتَحْرِيكٍ اْعَمِلاَ
جَزْم: ضدها الرفع.
تَذْكِير: ضده التأنيث.
غَيْب: ضدها المخاطبة.
خِفَّة: ضدها التشديد والتثقيل.
جَمْع: ضده الإفراد، ولا نقول التثنية.
تَنْوِين: ضده ترك التنوين.
تَحْرِيك: ضده التسكين.
فلا بد أن ننتبه لهذه القواعد التي نبهنا إليها الإمام الشاطبي، مثلا عندما يقول:
وَكُوفِيُّهُم تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفا
هنا ذكر مذهب المخففين ولم يذكر مذهب الباقين فعُلِم من الضدية أنهم يشددون، فهنا نفهم مذهب الباقين من خلال: التشديد - الضدية واللفظ لما قال:
وَبِاللَّفْظِ أَسْتَغْنِي عَنِ القَيْدِ إِنْ جَلاَ
فهنا ذكر لنا اللفظ كما ينطقها غير الكوفيين وأيضا قيدها بالقيد الذي ذكره.
~ فائدة ~
علماء المنطق دائما يقولون: الضدان هما الشيئان اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان عن الشيء الواحد في آن واحد.
نرى هنا أيضا أن الإمام الشاطبي أعطانا مزيد من الأضداد:
(60)
وَحَيْثُ جَرَى التَّحْرِيكُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ ... هُوَ الْفَتْحُ وَالْإِسْكانُ آخَاهُ مَنْزِلاَ
قال (وَحَيْثُ جَرَى التَّحْرِيكُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ هُوَ الْفَتْحُ) إذا قال مثلا: قد نحرك من صحاب، هنا ينصرف الذهن فورا إلى أن التحريك المقصود به الفتح: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ} [البقرة:236] فدل من خلال مفهوم المخالفة أن الباقين يسكنون الدال.
قال (وَالْإِسْكانُ آخَاهُ مَنْزِلاَ) يعني آخ التحريك.
إذا قال محركا فضده الإسكان.
(61)
وَآخَيْتُ بَيْنَ النُّونِ وَالْيَأ وَفَتْحِهِمْ ... وَكَسْرٍ وَبَيْنَ النَّصْبِ وَالخَفْضِ مُنْزِلاَ
قال (وَآخَيْتُ بَيْنَ النُّونِ وَالْيَأ) آخ بين النون والياء، إذا نص على أن بعض القراء يقرؤون بالنون كابن كثير معنى ذلك أن الباقين يقرؤون بالياء.
¥