تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويعلم الكثير من أهل العلم في دمشق ما لقيه المرحوم من صبر وتجلد وجد وكد وتحمل لنفرات أستاذه الشيخ حسين موسى في سبيل إتقان هذه الطريقة، كان إذا جاءه قبل دقيقة عن الموعد لا يقبله وإذا تأخر دقيقة لم يقبله، وإذا جاء في الموعد وكانت ساعة الشيخ قد تقدمت أو تأخرت لم يقبله، وكان جزاء تأخّره أن ينقطع عن تدريسه أسبوعاً أو أسابيع، فكأنه كان مصاباً بوسواس يدفعه إلى فعل ما فعل، والمرحوم يتحمل ويتجلد ولا يبالي.

حدث المرحوم قال: سافر الشيخ حسين مرة إلى بيروت فلبث فيها مدة طويلة ثم عاد فنزل في دارنا، فافترشنا له،وقام الشيخ يصلي، وأنا واقف أمام الباب الغرفة أنتظر لعله يحتاج شيئاً، فبقيت طول الليل واقفاً أنتظر، وبقي الشيخ يصلي حتى كان الفجر، فناداني، وصليت وراءه الفجر ....

ولما مات الشيخ حسين موسى أضحى الفقيد شيخ القراء بدمشق غير مدافع، وكان الفقيد قد بلغ الذروة ولم يتخط الثلاثين فلم يقنع بما قرأه وبما اختص به، بل أراد أن يلم بالعلوم الأخرى، فلازم شيوخ العلم في عصره، وكان أكثر ما يكون ملازمة علامة الشام الشيخ بكري العطار، تفقه عليه وأخذ عنه الشيء الكثير، وحضر دروس الشيخ محمد القاسمي، وأخذ عن الشيخ الخاني الشهير، وعن غيره.

الاجتماعات التي كان يقيمها:

وفق الفقيد لجمع جماعة من القارئين يتلوون القرآن ويتدارسونه في ليلة من كل جمعة، وكان على فضله المشهود له به من الجميع يرى نفسه أقلهم وأحقرهم، ولا تزال هذه الجماعة دارجة على نحو ما سنّه لها الفقيد حتى اليوم.

بعض مواقفه: كان ـ رحمه الله ـ ذكياً متوقداً، وله حوادث كثيرة تدل على إبائه وذكائه وشجاعته حدّث مرة قال: كنت في صباي أطلب العلم وأجمع القرآن، وكان أهل العلم يستثنون من الخدمة العسكرية زمن الدولة العثمانية، شرط أن يؤدوا امتحاناً، فتقدمت للامتحان واتفقت أنا وثلاثة آخرون على أن لا نسلك سبيل الرشوة إلى المستخدمين اعتماداً على أنفسنا، وكراهة للرشوة، وفقراً منا، [قال]. فلما كان يوم الامتحان وقفت أمام غرفة المستخدمين أقرأ وأتلو. فرأيت الثلاثة الذين اتفقوا معي من قبل على أن لا يرشواً أحداً، يضحكون ويمزحون، فقلت لهم ما بالكم، قالوا: لقد أرسلنا إلى رئيس المستخدمين ما تيسر ونجونا، ولن نمكث أمامه إلا قليلاً حتى نُعفى من الجندية، فتدبر أمرك، وأرسِلْ إليه شيئاً قبل أن تكون من المجنّدين. قال فاكتأبت، ولكني لم أخف، وتوكلت على الله، وأبيت أن أرسل إلى الرئيس شيئاً، وعجبت من هذا الناس كيف يخادعون ..

[قال] ودخل أولهم فلم يمكث إلا سبع دقائق تماماً، وتبعه آخر فلم يمكث إلا مثله، قال فتقدمت أنا ودخلت، وإذا جماعة من كبار العلماء حول نضد كبير، وقد رأسهم شيخ بوظيفة مفتى آلاي تركي الأصل، فلما رآني حملق وهمهم، وقال أحد الحاضرين إن امتحان الشيخ قراءة عشر من القرآن فأبى الرئيس وألح أن يمتحن ويُسأل قال: فسألني أسئلة صعبة عويصة ما كانت لتخطر على بالي، فأجبت عنها، فغيظ، فعاد يسألني ويغلظ لي والشيوخ صامتون خائفون، وأنا أجيب ولا أتلكأ، لقد أعانني الله عليه، وبقيت أمامه أربعين دقيقة يسألني وأجيبه، والعرق يتصبب مني، ثم قال إقرأ من القرآن عشراً، فلم أتفكر ولم أتوقف وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم " قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور " ثم ختمت. فبهت الحاضرون، وجُن الرئيس .. وقمت فخرجت، والشيوخ معجبين، وكان ذلك المفتي يقول: ما غلبني أحد قط إلا هذا الشيخ، بآيته.

أخلاقه: ما عَرِف الناس رجلاً أشد تواضعاً وأعظم رقة ولطفاً من الشيخ الفقيد مع علم جم وأدب واسع ونبل رفيع، إذا رآك جعلك سيده، فكان يرى الفضل لجميع الناس وكان يخدم الجميع ويحترمهم وكان يرى الخير في كل إنسان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير