والواضح من تقرير (…) الموجز أن الضباط كانوا علمانيين يتوقون إلى بث التعاصر في مصر متماشين مع الخط الغربي التكنولوجي .. ولم يكن الضباط على ثبات أيدلوجي، بل كانوا جماعة علمانية في البناء السياسي والاجتماعي للحياة المصرية .. إلا أن قادتهم كانت تضع نصب عينيها صورة من مصر العلمانية كما يتصورونها، ويتحركون صوب هذا الهدف على خط مستقيم .. [39]
ويعمم الكاتب .. وعلى ذلك فبينما يترك الحكام الغربيون منطقة الشرق الأدنى تتحول هذه المنطقة فتصبح أكثر غربية، ويواجه الزعماء العرب طريقين فهم يطردون .. الغرب سياسيا ويسحبون الكتل الشعبية إلى الغرب ثقافيا [40]
فنجيب بعد هؤلاء فنقول بعون الله:
1ـ إن النخبة الوطنية التي حلت محل النخبة الأجنبية وفرت على الأخيرة أولا.
الدم والمال التي كانت تبذل في الحروب الصليبية أو في محاولات الاستعمار.
2ـ وأنها كذلك منعت إثارة المشاعر .. الدينية أو الوطنية .. التي كانت تتحرك حين يرى الشعب الجيوش الأجنبية قادمة .. تتحدى قيمه الدينية .. أو قيمه الوطنية .. ومن ثم فقد ميعت المقاومة أو منعتها!
3ـ أنها بلباس الوطنية .. نفذت المطلوب .. ليس فقط دون مقاومة بل أحيانا مع استحسان الجماهير وحماستها!! [41]
4ـ أنها استطاعت أن تقضي على كل معارضة .. من أي فئة .. دون أن يتحرك أحد لنصرة هذه الفئة .. بل مع اعتقادهم بما تذيعه النخبة الوطنية من أن المعارضين .. خوارج ـ أو خونة!!!
45ـ وأخيرا سؤال لا ينفك عن السؤال الأخير
لماذا يفضلونها .. عسكرية ((؟
نقول بعون الله:
1ـ لأنها أسرع في الوصول إلى الحكم، وأكثر شغفا بالسلطة [42]
2ـ لأنها أسرع في تلبية الأوامر الخارجية، والالتزام حرفيا بها فهكذا تعلمهم الحياة العسكرية.
3ـ لأن قبضتها أقوى بالنسبة .. لأية معارضة أو أية مقاومة ..
4ـ أن الطبقة العسكرية في أغلبها أعدت إعدادا خاصا .. يجعلها علمانية و غربية .. لا تستنكف الانحلال .. لنفسها ولا لغيرها ومن ثم فهي أنسب الفئات لتنفيذ مخطط الإبعاد من الإسلام
5ـ أنها تزيح بذلك احتمال تقدم عناصر دينية .. إلى الحكم عن الطريق الشعبي العادي [43]
46ـ وليس معنى اللجوء إلى الانقلابات العسكرية .. انتهاء الوسائل الأخرى إن .. القوى الأجنبية المعادية للإسلام لاتزال محتفظة لبعض أنظمة الرجعية بالبقاء.
أولا لأنها تنفذ ما يطلب منها، وثانيا لأنها أضعف من أن تقف يوما في وجهها
وثالثا لأنه داخل هذه الأنظمة نفسها يجري التغيير .. باستعداء الابن على أبيه والأخ على أخيه بعدما يجرى الاتفاق على الصفقة، ماذا يبيع لكي يجلس على العرش .. ؟! ورابعا لأنها حين يبدو العصيان .. يكون الردع سريعا وعنيفا وحوادث الاغتيال السياسي في الماضي القريب شاهدة على ذلك، وقد كانت موضع تحقيق الكونجرس في فضائح المخابرات المركزية الأمريكية.
وأخيرا .. فإن بقاء هذه الأنظمة ـ في نظر أعداء الإسلام ـ رهين بانتهاء العصبيات التي تستند إليها، وفي المواجهة بزيادة قوة وقدرة القوات المسلحة لتولي الأمر .. حينئذ .. سوف تخلعها بيسر وبغير حياء .. ولا احترام للود البادي والوفاء الظاهر!!!
وهكذا نرى اتفاقا غريبا .. على علمنة التعليم، وعلمنة الإعلام، وعلمنة المجتمع كله عن طريق المرأة وعن طريق الشباب .. ليبتعد بذلك عن الإسلام .. نجدها في الدول الإسلامية رغم اختلاف نظم الحكم الحاكمة .. لأن التغيير السياسي وإن .. اختلف أسلوبه .. فالهدف لا يختلف وهو التغيير الاجتماعي أو التغريب أو بالعبارة الواضحة: الإبعاد عن الإسلام!
47ـ لكن هل انتهت تماما وسيلة الحروب والاستعمار التي كانت سبيل الغرب من قبل لغرض أهدافه وغاياته؟
لا نستطيع أن نجيب بالنفي .. لأن الحروب انتهت في أغلب البلاد في صورتها العسكرية، واستبدلت بها الحرب الفكرية والنفسية لتحطيم عقيدة الأمة ومبادئها.
ولا نستطيع أن نجيب بالإثبات .. لأنها لا تزال تستعمل في نطاق محدود وهو ما اصطلح الغرب على تسميته بالحرب المحدودة .. واحتلال الجيوش الأمريكية لشواطئ لبنان سنة 1958 مثل قريب وتحركات الأسطول السادس كذلك.
لكن في رأيي أن الحرب المحدودة ارتدت كذلك ثوبا محليا فأصبحت الجيوش العربية أو الإسلامية تسلط لهذا الغرض وتدخل سوريا في لبنان مثل قريب وانفصال بنجلاديش عن باكستان من قبلها مثل قريب كذلك!
الفصل الثاني
الغزو الفكري
¥