تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أولى، بل الحق أنه يستحق الاسم دونها .. وعند إشراق نور الحكمة يصير الإنسان مبصرا بالفعل بعد أن كان مبصراً بالقوة، وأعظم الحكمة كلام الله تعالى، فيكون منزلة آيات القرآن عند عين العقل منزلة نور الشمس عند العين الظاهرة، إذ به يتم الإبصار، فبالحري أن يسمى القرآن نوراً، كما يسمى نور الشمس نوراً، فمثال القرآن: نور الشمس، ومثال العقل: نور العين، وبهذا يفهم معنى قوله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَذِي أَنزَلْنَا) [التغابن: 8] .. وما قضي العقل باستحالته، فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول .. والوحي الإلهي والشرع الحق لا يرد بما ينبو عنه العقل .. فلهذا كان رأسمال كل السعادات العقل".

وقول الغزالي ـ كذلك ـ في شرح الآية الكريمة: (ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70] "فكان من أعظم ما شرفه به الله وكرمه: العقل، الذي تنبه به على البهيمة، وألحقه بسببه بعالم الملائكة، حتى تأهل به لمعرفة باريه ومبدعه بالنظر في مخلوقاته، والاستدلال به على معرفة صفاته بما أودعه في نفسه من حكمة".

* وألم يعلم ـ عظيم الفاتيكان ـ أن الإسلام قد جعل "الشك المنهجي" علما .. وأوجب تعلمه .. لأنه هو الطريق إلى اليقين .. حتى قال الجاحظ [163 ـ 255 هـ /780 ـ 869 م]: "فاعرف مواضع الشك، وحالاتها الموجبة له، لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له. وتعلّم الشك في المشكوك فيه تعلما، فلو لم يكن في ذلك إلا تعرف التوقف، ثم الثبت، لقد كان ذلك مما يحتاج إليه .. فلو لم يكن يقين قط حتى كان قبله شك، ولم ينتقل أحد عن اعتقاد إلى اعتقاد غيره حتى يكون بينهما حال شك، فلا تذهب إلى ما تريك العين، واذهب إلى ما يريك العقل، وللأمور حكمان: ظاهر للحواس، وحكم باطن للعقول، والعقل هو الحجة".

* وقول الماوردي [364 ـ 450هـ / 974ـ 1058 م]: "إن السبب المؤدي إلى معرفة الأصول الشرعية والعمل بها شيئان: أحدهما: علم الحس، وهو العقل، لأن حجج العقل أصل لمعرفة الأصول، إذ ليس تعرف الأصول إلا بحجج العقول. وثانيهما: معرفة لسان العرب - وهو معتبر- فى حجج السمع خاصة ".

* وقول القرافى ـ أحمد بن إدريس ـ[684 هـ - 1285 م]: " .. والقاعدة المعلومة: أن الشرع لا يرد بخلاف العقل، بل جميع واردات الشرائع يجب انحصارها فيما يجوزه العقل وجودا وعدماً، فيرد الشرع بترجيح أحد طرفيه، وجوده أو عدمه، أو يسوى بينهما، وهو الإباحة".

* وقول القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمدانى [415 هـ ـ 1024م]: "إن الأدلة، أولها: دلالة العقل لأن به يميز بين الحسن والقبيح، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة، والإجماع. ولربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم، فيظن أن الأدلة هي: الكتاب، والسنة، والإجماع فقط، أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر. وليس كذلك: لأن الله تعالي لم يخاطب إلا أهل العقل؛ ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع، فهو أصل فى هذا الباب. وإن كنا نقول: إن الكتاب هو الأصل، من حيث إن فيه التنبيه على ما فى العقول، كما أن فيه الأدلة على الأحكام. وبالعقل يميز بين أحكام الأفعال وبين أحكام الفاعلين، ولولاه لما عرفنا من يؤاخذ بما يتركه أو بما يأتيه، ومن يحمد ومن يذم؛ ولذلك تزول المؤاخذة عمن لا عقل له. ومتى عرفنا بالعقل إلها منفردا بالإلهية، وعرفناه حكيما، نعلم في كتابه أنه دلالة، ومتى عرفناه مرسلاً للرسول، ومميزا له بالأعلام المعجزة من الكاذبين، علمنا أن قول الرسول حجة، وإذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على خطأ .. وعليكم بالجماعة" .. علمنا أن الإجماع حجة ".

* وإذا كان بابا الفاتيكان قد جعل موضوع محاضرته عن علاقة الإيمان بالعقل .. فكيف جهل أن فلاسفة الإسلام ـ ومنهم أبو علي الجبائى [235ـ 304 هـ ـ 849 – 916م] قد قالوا: "إن الواجب الأول على الإنسان هو النظر".

بل وقال الفيلسوف أبو هاشم الجبائي [247 – 321 هـ / 861 – 933 م]: "إن الواجب الأول على الإنسان هو الشك"! .. وذلك انطلاقا من التأصيل القرآني لمنهاج "الشك المنهجي": (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى ولَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة: 260].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير